صباح (١) بن العلاء السّلمىّ، صاحب واصل بن عطاء، أحد رءوس المعتزلة، وكان ابن أبى دواد رجلا فصيحا؛ قال أبو العيناء: ما رأيت رئيسا قطّ أفصح ولا أنطق منه، وكان كريما ممدّحا، وفيه يقول بعضهم (٢):
لقد أنست مساوى كلّ دهر … محاسن أحمد بن أبى دواد
وما طوّفت فى الآفاق إلاّ … ومن جدواك راحلتى وزادى (٣)
مقيم الظّنّ عندك والأمانى … وإن قلقت ركابى فى البلاد (٤)
وكان معظّما عند المأمون أمير المؤمنين، يقبل شفاعته، ويصغى إلى كلامه، وأخباره فى هذا كثيرة، فدسّ ابن أبى دواد له القول بخلق القرآن، وحسّنه عنده، وصيّره/يعتقده حقّا مبينا، إلى أن أجمع رأيه فى سنة ثمان عشرة ومائتين، على الدّعاء إليه، فكتب إلى نائبه على بغداد، إسحاق بن إبراهيم الخزاعىّ، عمّ (٥) طاهر بن الحسين، فى امتحان العلماء كتابا، يقول فيه كذا وكذا.
ثم ساق الكتاب، وجوابه، وأخبارا أخر تتعلّق بالإمام أحمد وغيره، أضربنا عنها خوف الإطالة، إذ المراد بيان أنّ السّبب فى هذه المحنة العظمى هو ابن أبى دواد، وذكر يسير من أخباره المتعلّقة بها، وأمّا حصرها فلا سبيل إليه.
فعن أحمد بن المعدّل، أن ابن أبى دواد كتب إلى رجل من أهل المدينة: إن تابعت أمير المؤمنين فى مقالته استوجبت المكافأة الحسنة.
فكتب إليه: عصمنا الله وإيّاك من الفتنة، الكلام فى القرآن بدعة يشترك فيه السّائل والمجيب؛ لتعاطى السّائل ما ليس له، وتكلّف المجيب ما ليس عليه، ولا نعلم خالقا إلاّ الله، وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله، لا نعلم غير ذلك، والسّلام.
(١) فى طبقات الشافعية: «هياج».
(٢) القائل هو أبو تمام، والأبيات فى ديوانه ٧٩، وفى تاريخ بغداد ٤/ ١٤٥.
(٣) فى الديوان: «وما سافرت».
(٤) فى الأصول: «وإن قلت ركابى»، وفى طبقات الشافعية خطأ: «وإن قلقت»، والمثبت فى الديوان.
(٥) كذا فى الأصول، وفى طبقات الشافعية: «ابن عم»، والمعروف أن إسحاق هو ابن إبراهيم بن الحسين بن مصعب، وعلى هذا فطاهر عم إبراهيم، وليس إبراهيم عم طاهر، ولا ابن عمه.