الخدم: والله إنه ليروم أن أكلّمه من أمس، فلم (١) أفعل. فقال الواثق فى ذلك:
يا ذا الذى بعذابى ظلّ مفتخرا … ما أنت إلاّ مليك جار إذ قدرا
لولا الهوى لتجارينا على قدر … وإن أفق منه يوما ما فسوف ترى
وقد ظرف عبادة المخنّث، حيث دخل إليه، وقال: يا أمير المؤمنين، أعظم الله أجرك فى القرآن.
قال: ويلك، القرآن يموت!!
قال: يا أمير المؤمنين، كلّ مخلوق يموت، بالله من يصلّى يا أمير المؤمنين بالنّاس التّراويح إذا مات القرآن؟.
فضحك الخليفة، وقال: قاتلك الله، أمسك.
قال الخطيب: وكان ابن أبى دواد قد استولى عليه، وحمله على تشديد المحنة.
قال ابن السّبكىّ: وكيف لا يشدّد المسكين فيها، وقد أقرّوا فى ذهنه أنّه حقّ يقرّبه إلى الله تعالى، حتى إنّه لمّا كان الفداء، فى سنة إحدى وثلاثين ومائتين، واستفكّ الواثق من طاغية الرّوم أربعة آلاف وستمائة، قال ابن أبى دواد، على ما حكى عنه ولكن لم يثبت عندنا:/من قال من الأسارى القرآن مخلوق خلّصوه وأعطوه دينارين، ومن امتنع دعوه فى الأسر.
وهذه الحكاية إن صحّت عنه دلّت على جهل عظيم، وإفراط فى الكفر.
وهذا من الطّراز الأوّل، فإذا رأى الخليفة قاضيا يقول هذا الكلام، أليس يوقعه فى أشدّ ممّا وقع منه؟!. فنعوذ بالله من علماء السّوء، ونسأله التوفيق والإعانة. انتهى (٢).
ولنرجع إلى أخبار أحمد: روى عن الحسن بن ثواب، قال: سألت أحمد بن حنبل عمّن يقول: القرآن مخلوق.
(١) فى طبقات الشافعية: «فما».
(٢) أى كلام ابن السبكى.