٦١٦ - جعفر بن يحيى بن خالد، أبو الفضل البرمكى (*)
قال الخطيب: كان من علوّ القدر، ونفاذ الأمر، وعظم المحلّ، وجلالة المنزلة، عند هارون الرشيد، بحالة انفرد بها، ولم يشارك فيها، وكان سمح الأخلاق، طلق الوجه، ظاهر البشر، فأما جوده وعطاؤه فأشهر من أن يذكر، وأبين من أن يظهر، وكان أيضا من ذوى الفصاحة، المذكور (١) باللّسن والبلاغة، ويقال: إنه وقّع ليلة بحضرة الرشيد زيادة على ألف توقيع، نظر فى جميعها، فلم يخرج شئ منها عن موجب الفقه.
قال: وكان أبوه يحيى بن خالد قد ضمّه إلى أبى يوسف القاضى، حتى علّمه وفقّهه.
وقال ثمامة بن أشرس: ما رأيت رجلا أبلغ من جعفر بن يحيى والمأمون.
/وحكى العباس بن الفضل، (٢) قال: اعتذر رجل إلى جعفر بن يحيى البرمكىّ، فقال له جعفر: قد أغناك الله بالعذر منّا (٣) عن الاعتذار إلينا، وأغنانا بالمودّة لك عن سوء الظّنّ بك.
وحيث كان يروى عنه فى الكرم، وإسداء النّعم، وإكرام جلسائه، والإحسان إلى أوليائه، وتحقيق ظنّ آمليه، وتفريج كربة سائليه، ما تضيق عنه الدّفاتر، وتعجز عن ضبطه الأقلام والمحابر، وتغنّى به الرّكبان، وتتجمّل بذكره مجالس الأعيان، فلا بأس أن نذكر منها طرفا يسيرا يكون لأهل الكرم به قدوة، ولضعيف الهمّة باعثا على الجميل وموجدا له نحوه، وليعلم أن المرء لا يبقى له بعد موته إلاّ الذّكر الجميل، والثّناء الحسن الجزيل.
فمن ذلك ما روى ابن عساكر، عن المهذّب صاحب العباس بن محمد، صاحب قطيعة العباس والعبّاسيّة، أنه أصابته ضائقة، وألحّ عليه المطالبون، وعنده سفط (٤) فيه جوهر،
(*) ترجمته فى: البداية والنهاية ١٩٨،١٠/ ١٨٩، تاريخ بغداد ٧/ ١٥٢ - ١٦٠، تاريخ الطبرى ٨/ ٢٩٤ - ٣٠٠، الجواهر المضية، برقم ٤٠٨، شرح قصيدة ابن عبدون ٢٢٢ - ٢٣٢، العبر ١/ ٢٩٨، الكامل ٦/ ١٧٥ - ١٧٩، مرآة الجنان ١/ ٤٠٤ - ٤١٥، النجوم الزاهرة ٢/ ١٢٣، الوزراء والكتاب ٢٠٤، وفيات الأعيان ١/ ٣٢٨ - ٣٤٦.
وانظر البيان والتبيين ٣٥٦،٣٥٥،٣٥٤،٣/ ٣٥١،١١٥،١١١،١٠٦،١/ ١٠٥.
(١) فى تاريخ بغداد: «المذكورين».
(٢) تاريخ بغداد ١٥٣،٧/ ١٥٢.
(٣) تكملة من تاريخ بغداد.
(٤) السفط: ما يعبأ فيه الطيب وحلى النساء.