مشتراه عليه ألف درهم، فحمله إلى جعفر ليبيعه منه، فاشتراه بثمنه، ووزن له ألف ألف، وقبض منه السّفط، وأجلسه عنده فى تلك الليلة، فلمّا رجع إلى أهله إذا السّفط قد بلغه إلى منزله، فلمّا أصبح غدا إليه ليتشكّر له، فوجده مع أخيه الفضل على باب الرشيد، يستأذن عليه، فقال له جعفر: إنّى قد ذكرت أمرك للفضل، وقد أمر لك بألف ألف، وما أظنّها إلاّ سبقتك إلى أهلك، وسأفاوض فيك أمير المؤمنين. فلمّا دخل ذكر أمره له، وما لحقه من الدّيون، فأمر له بثلاثمائة ألف دينار.
وروى الخطيب (١) أن جعفرا كان ليلة فى سمره وعنده أبو علقمة الثّقفىّ صاحب الغريب، فأقبلت خنفساة إلى علقمة، فقال: أليس يقال: إن الخنفساء إذا أقبلت إلى رجل أصاب خيرا؟ قالوا: بلى. فقال جعفر: يا غلام أعطه ألف دينار. ثم نحّوها فعادت إليه، فقال: يا غلام، أعطه ألف دينار (٢). فأعطاه.
وروى أيضا (٣) أن جعفرا حجّ مرّة مع الرشيد، فلما كانوا بالمدينة، قال لإبراهيم الموصلىّ: انظر لى جارية أشتريها، ولا تبق غاية فى حذاقتها بالغناء والضّرب والكمال، والطّرف، والأدب، وجنّبنى قولهم: صفراء.
قال إبراهيم: فوصفتها (٤) على يد من يعرف، فأرشدت إلى جارية لرجل، فدخلت عليه، فرأيت رسوم النّعمة عنده، فأخرجها إلىّ، فلم أر أجمل منها ولا أصبح ولا آدب، قال: ثم تغنّت لى أصواتا فاجادتها، قال: فقلت لصاحبها: قل ما شئت، قال: أقول لك قولا لا أنقص منه درهما، قلت: قل. قال: أربعين ألف دينار. قال: قلت قد أخذتها، واشترطت عليك نظرة. قال: ذاك لك.
قال: فأتيت جعفر بن يحيى، فقلت: قد أصبت حاجتك على غاية الكمال والظّرف والأدب والجمال ونقاء اللون وجودة الضّرب والغناء، وقد اشترطت نظرة فاحمل المال، ومرّ بنا.
قال: فحملنا المال على حمّالين، وجاء جعفر مستخفيا، فدخلنا على الرجل، فأخرجها، فلما رآها جعفر أعجب بها، وعرف أن قد صدقته، ثم غنّته فازداد بها عجبا، فقال لى: اقطع
(١) تاريخ بغداد ٧/ ١٥٣.
(٢) فى س بعد هذا زيادة: «أخرى»، والمثبت فى: ط، ن، وتاريخ بغداد.
(٣) تاريخ بغداد ١٥٥،٧/ ١٥٤.
(٤) فى تاريخ بغداد: «فوضعتها».