ثم إن والده يحيى بن خالد جعل يضيّق على عيال الرشيد فى النّفقة، حتى شكته زبيدة إلى الرشيد مرّات، ثم أفشت له سرّ العبّاسة، فاستشاط غضبا (١).
ولمّا أخبرته أن الولد قد أرسلت به إلى مكة، حجّ عامه ذلك، حتى يتحقّق الأمر (٢)، ويقال: إن بعض الجوارى نمّت عليها إلى الرشيد، فأخبرته بما وقع من الأمر، وأنّ الولد بمكة، وعنده جوار ومعه أموال، وحلى كثير (٣)، فلم يصدّق حتى حجّ فى السنة الخالية، فكشف عن الحال، فإذا هو كما ذكرت الجارية.
وقد حجّ فى هذه السنة يحيى بن خالد الوزير (٤)، وقد استشعر الغضب من الرشيد عليه، فجعل يدعو عند الكعبة: اللهمّ إن كان يرضيك عنّى سلب مالى وولدى وأهلى فافعل ذلك بى، وأبق عليهم منهم الفضل. ثم خرج، فلمّا كان عند باب المسجد رجع، فقال: اللهمّ والفضل معهم، فإنّى راض برضاك عنّى، ولا تستثن منهم أحدا.
وقيل (٥): إنّ من المحرّضات على قتل البرمكة قول بعض الشعراء يخاطب الرشيد:
قل لأمين الله فى أرضه … ومن إليه الحلّ والعقد
إنّ ابن يحيى جعفرا قد غدا … مثلك ما بينكما حدّ (٦)
أمرك مردود إلى أمره … وأمره ليس له ردّ
/وقد بنى الدّار التى ما بنى ال … فرس لها مثلا ولا الهند
الدّرّ والياقوت حصباؤها … وتربها العنبر والنّدّ
وجدّك المنصور لو حلّها … لما اطّباه قصره الخلد (٧)
(١) فى ط، ن: «غيظا»، والمثبت فى: س. والمعنى مستقيم على الروايتين.
(٢) فى ن بعد هذا زيادة على ما فى ط، ن: «وأن الولد».
(٣) فى ن: «كثيرة»، والمثبت فى: س، ط.
(٤) انظر البداية والنهاية ١٠/ ١٩٠.
(٥) وفيات الأعيان ٣٣٦،١/ ٣٣٥.
(٦) صدر البيت فى الوفيات: «هذا ابن يحيى قد غدا مالكا».
(٧) لم يرد هذا البيت والذى بعده فى الوفيات.
وفى ط: «لوجدها»، والمثبت فى: س، ن.
والخلد: قصر بناه المنصور ببغداد، بعد فراغه من مدينته، على شاطئ دجلة، سنة تسع وخمسين ومائة. معجم البلدان ٢/ ٤٥٩.
واطباء: دعاه. يعنى أنه لا يصرفه عنها الخلد قصره العظيم.