قال: ثم خرج من عنده، وازداد محمد بن مقاتل مرضا على مرضه من كلامه.
وبلغ أهل الرّىّ (١) ما جرى بين حاتم وبين ابن مقاتل (١)، فقالوا لحاتم: يا أبا عبد الرحمن، إن محمد بن عبيد الطّنافسىّ بقزوين، أكبر سنّا من هذا، وهو غريق فى الدنيا.
قال (٢): فصار حاتم إليه متعمّدا، ودخل عليه، وعنده الخلق مجتمعون يحدّثهم، فقال له حاتم: رحمك الله، أنا رجل عجمىّ، جئتك لتعلّمنى مبتدأ دينى، ومفتاح صلاتى، كيف أتوضّأ للصّلاة؟
فقال: نعم وكرامة، يا غلام، إناء فيه ماء.
فجاءه بالإناء، وقعد محمد بن عبيد يتوضّأ ثلاثا، ثم قال له: هكذا فاصنع.
قال حاتم: مكانك، رحمك الله، حتى أتوضّأ بين يديك، ليكون آكد لما أريد.
فقام الطّنافسىّ، وقعد حاتم مكانه فتوضّأ، وغسل وجهه ثلاثا، حتى إذا بلغ الذّراع غسله أربعا.
فقال له الطّنافسىّ: يا هذا، أسرفت.
فقال له حاتم: فيما ذا أسرفت؟
قال: غسلت ذراعك أربعا.
فقال له حاتم: سبحان الله تعالى، أنا أسرفت فى كفّ من الماء، وأنت فى جميع هذا الذى أراه كلّه لم تسرف!!
فعلم الطّنافسىّ أنّه قصد منه ذلك، ولم يرد أن يتعلّم منه شيئا، فدخل إلى البيت، ولم يخرج إلى الناس أربعين يوما.
وكتب تجّار الرّىّ إلى بغداد بما جرى بين حاتم وبين محمد بن مقاتل، ومحمد بن عبيد الطّنافسىّ، ثم رحل حاتم إلى العراق، ودخل بغداد، واجتمع بعلمائها كما تقدّم فى أوائل الترجمة.
ثم خرج إلى الحجاز، فلما صار (٣) إلى المدينة الشّريفة، أحبّ أن ينظر علماءها، فقال لهم: يا قوم، أىّ مدينة هذه؟
(١ - ١) فى س: «ما جرى بينه وبين حاتم»، والمثبت فى: ط، ن.
(٢) ساق الشعرانى هذه القصة أيضا باختصار فى طبقاته ١/ ٨١.
(٣) فى ن: «وصل»، والمثبت فى: س، ط.