لا يخرج إلى مجلس الحكم، ولا إلى مجلس التّدريس فى كلّ يوم، إلاّ بعد أن ينسخ عشر ورقات، يأخذ أجرتها عشرة دراهم، تكون قدر مؤنته، ثم يخرج إلى مجلسه.
وقال ابن أبى الفوارس (١): وكان أبو سعيد نزها، عفيفا، جميل الأمر، حسن الأخلاق.
وقال محمد بن العبّاس بن الفرات (٢): كان أبو سعيد السّيرافىّ، عالما، فاضلا، منقطع النّظير فى علم النحو خاصّة، وكانت سنّه يوم توفّى ثمانين سنة.
وعن هلال بن المحسّن (٣)، أنّه توفّى يوم الاثنين، الثانى من رجب، سنة ثمان وستين وثلاثمائة، عن أربع وثمانين سنة.
قال أبو حيّان التّوحيدىّ، فى «تقريظ الجاحظ» له: أبو سعيد السّيرافىّ شيخ الشّيوخ، وإمام الأئمّة، معرفة (٤) بالنحو، والفقه، واللّغة، والشّعر، والعروض، والقوافى، والقرآن، والفرائض، والحديث، والكلام، والحساب، والهندسة، أفتى فى جامع الرّصافة خمسين سنة على مذهب أبى حنيفة فما وجد له خطأ، ولا عثر له على زلّة، وقضى ببغداد، هذا مع الثّقة والدّيانة والأمانة والرّزانة، صام أربعين سنة أو أكثر، الدّهر كلّه.
وقال فى «محاضرات العلماء (٥)»: شيخ الدّهر (٦)، وقريع العصر، العديم المثل، المفقود الشّكل، ما رأيت أحفظ منه لجوامع الزهد نظما ونثرا، وكان ديّنا، ورعا، تقيّا، نقيّا، زاهدا، عابدا، خاشعا، له دأب فى القراءة والخشوع، وورد بالليل من القيام والخضوع، ما قرئ عليه شئ قطّ فيه ذكر الموت والبعث ونحوه، إلاّ بكى وجزع، ونغّص عليه يومه وليلته، وامتنع عن الأكل والشّرب، وما رأيت أحدا من المشايخ كان أذكر لحال الشّباب، وأكثر تأسّفا على ذهابه منه، وكان إذا رأى أحدا من أقرانه عاجله الشّيب تسلّى به.
وقال فى «الامتناع والمؤانسة (٧)»: هو أجمع لشمل العلم، وأنظم لمذاهب العرب، وأدخل فى كلّ باب، وأخرج من كلّ طريق، وألزم للجادّة الوسطى فى الخلق والدّين،
(١) هو محمد بن أبى الفوارس، كما فى تاريخ بغداد ٧/ ٣٤٢.
(٢) تاريخ بغداد ٧/ ٣٤٢.
(٣) تاريخ بغداد ٧/ ٣٤٢.
(٤) فى س: «له معرفة»، وفى ط، ن: «معرفته»، والتصويب من معجم الأدباء ٨/ ١٥٠.
(٥) انظر معجم الأدباء ٨/ ١٥٢.
(٦) فى معجم الأدباء نقلا عن أبى حيان: «وحضرت مجلس شيخ الدهر».
(٧) الجزء الأول صفحة ١٣٠،١٢٩.