وقبره تحت سور همذان. وقيل: إنّه نقل إلى أصبهان بعد ذلك.
وقال ابن خلّكان، فى ترجمة ابن سينا: ثمّ اغتسل وتاب، وتصدّق بما معه على الفقراء، وردّ المظالم على من عرفه، وأعتق مماليكه، وجعل يختم كلّ ثلاثة أيّام ختمة، ثم مات بهمذان، يوم الجمعة، فى رمضان، (١) وولد فى صفر، سنة سبعين وثلاثمائة.
قال: وكان الشيخ كمال الدّين ابن يونس يقول: إنّ مخدومه سخط عليه (٢)، ومات فى سجنه، وكان ينشد: (٣)
رأيت ابن سينا يعادى الرّجال … وفى السّجن مات أخسّ الممات
فلم يشف ما نابه «بالشّفا» … ولم ينج من موته «بالنّجاة»
وصيّة ابن سينا لأبى سعيد بن أبى الخير الصّوفىّ الميهىّ:
ليكن الله تعالى أوّل فكر له وآخره، وباطن كلّ اعتبار وظاهره، ولتكن عين نفسه مكحولة بالنّظر إليه، وقدمها (٤) موقوفة على المثول بين يديه، مسافر بعقله فى الملكوت الأعلى، وما فيه من آيات ربّه الكبرى، وإذا انحطّ إلى قراره، فلينزّه الله فى آثاره، فإنّه باطن ظاهر، تجلّى لكلّ شئ بكلّ شئ.
ففى كلّ شئ له آية … تدلّ على أنّه واحد (٥)
فإذا صارت هذه الحال له ملكة انطبع فيها نقش الملكوت، وتجلّى له قدس اللاّهوت، فألف الأنس الأعلى، وذاق اللّذّة القصوى، وأخذ عن نفسه من هو بها أولى، وفاضت عليه السّكينة، وحقّت له الطّمأنينة، وتطلّع على العالم الأدنى اطّلاع راحم لأهله، مستوهن لحبله، مستخفّ لثقله، مستخسّ به لعلقه، (٦) مستضلّ لطرقه، وتذكّر نفسه وهى بها لهجة، وببهجتها بهجة، فتعجّب منها ومنهم تعجّبهم منه وقد ودعها، وكان معها كأن ليس معها.
(١) أى سنة ثمان وعشرين وأربعمائة.
(٢) زاد فى الوفيات: «واعتقله».
(٣) وفيات الأعيان ٢/ ١٦٢.
(٤) فى س: «وقدمه»، والمثبت فى: ط، ن.
(٥) البيت من مشهور قول أبى نواس.
(٦) فى عيون الأنباء: «مستحسن به لعقله»، ولعل ما هنا أقرب الى المراد.