وليعلم أنّ أفضل الحركات الصّلاة، وأمثل السّكنات الصّيام، وأنفع البرّ الصّدقة، وأزكى السّرّ الاحتمال، وأبطل السّعى المراءاة، وأنّ تخلّص النّفس عن الدّرن ما التفتت إلى قيل وقال، ومنافسة وجدال، وانفعلت بحال من الأحوال، وخير العمل ما صدر عن/خالص نيّة، وخير النّيّة ما ينفرج عن جناب علم، والحكمة أمّ الفضائل، ومعرفة الله أوّل الأوائل، ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ (١).
إلى أن قال: وأمّا المشروب فيهجر شربه تلهّيا، بل تشفّيا وتداويا، ويعاشر كلّ فرقة بعادته ورسمه، ويسمح بالمقدور والتّقدير من المال، ويركب لمساعدة الناس كثيرا ممّا هو خلاف طبعه، ثم لا يقصّر فى الأوضاع الشّرعيّة، ويعظّم السّنن الإلهيّة، والمواظبة على التّعبّدات البدنيّة.
إلى أن قال: عاهد الله أنّه يسير بهذه السّيرة، ويدين بهذه الدّيانة، ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
ومن شعره القصيدة الطّنّانة، التى قالها فى النّفس، وولع الناس بشرحها، وحلّ رموزها، وكشف غوامضها، وهى هذه:
هبطت إليك من المحلّ الأرفع … ورقاء ذات تعزّز وتمنّع
محجوبة عن كلّ مقلة عارف … وهى التى سفرت ولم تتبرقع
وصلت على كره إليك وربّما … كرهت فراقك وهى ذات تفجّع
ألفت وما ألفت فلمّا واصلت … ألفت مجاورة الخراب البلقع (٢)
وأظنّها نسيت عهودا بالحمى … ومنازلا بفراقها لم تقنع
حتّى إذا اتّصلت بهاء هبوطها … من ميم مركزها بذات الأجرع
علقت بها هاء الثّقيل فأصبحت … بين المعالم والطّلول الخضّع
تبكى إذا ذكرت ديارا بالحمى … بمدامع تهمى ولمّا تقلع (٣)
وتظلّ ساجعة على الدّمن التى … درست بتكرار الرّياح الأربع
إذ عاقها الشّرك الكثيف وصدّها … قفص عن الأوج الفسيح الأريع
(١) سورة فاطر ١٠.
(٢) فى عيون الأنباء: «أنفت وما أنست».
(٣) فى عيون الأنباء: «ولما تقطع»، وفى وفيات الأعيان ٢/ ١٦٠ «تبكى وقد نسيت عهودا بالحمى».