وولادته مختونا مسرورا، وسجع شقّ وسطيح، ورؤيا الموبذان (١)، إلى غير ذلك من الآيات الظاهرة، والأمارات الباهرة، والدّلالات الزاهرة، والمعجزات القاهرة، والسّيرة التى شهرت شهرة النجوم الزّواهر، وسار الذّكر منها فى الناس سير القوافى السّوائر.
وقد ألّفت (٢) العلماء (٣) الحفّاظ، والثّقات الأيقاظ فى سيرته، ومعجزاته، وفى خصائصه، ﷺ، كتبا كثيرة، ومجلّدات كبيرة، لا يحيط بها حدّ، ولا يحصرها عدّ.
وكلّ منهم بذل جهده، ولم يدّخر شيئا عنده، وما أتوا بعشر معشار فضائله، ولا بقطرة من بحار فواضله، وكان أكثر ممّا قيل ما تركوا، وكلّ منهم ينشد مع ذلك بلسان حاله، أو لسان قاله، معتذرا عن تقصيره، ومخبرا بما هو الواقع فى ظاهر ضميره، قول صاحب البردة، رحمه الله تعالى (٤):
وإنّ فضل رسول الله ليس له … حدّ فيعرب عنه ناطق بفم
/وأجمع ما وقفت عليه من ذلك، كتاب «الخصائص الكبرى» للجلال السّيوطىّ، وكتاب «السيرة النبوية» للحافظ تقىّ الدّين المقريزىّ، فمن أراد أن ينزّه بصره وبصيرته فى رياض الجنة، فعليه بمطالعتهما، والوقوف عليهما، جزاهما الله تعالى عن نبيّه ﷺ أحسن الجزاء، بمنّه، وكرمه، آمين.
ومدحه ﷺ بالشّعر جماعة عديدة، من رجال الصّحابة ونسائهم، جمعهم الشيخ الإمام الحافظ فتح الدّين ابن سيّد الناس اليعمرىّ فى قصيدة ميميّة، ثم شرحها فى مجلّد، سمّاها «منح المدح»، ورتّبهم على حروف المعجم، فأربى فى هذا الجمع على الحافظ ابن عبد البرّ؛ لأنه ذكر منهم ما يقارب المائة والعشرين، أو ما يزيد على ذلك، والشيخ فتح الدّين قارب المائتين، كذا قاله الصّلاح الصّفدىّ (٥)، وقال: لا أعلم أحدا
(١) الموبذان: الكبير من ملوك العجم وعظمائهم.
(٢) فى ن: «ألف»، والمثبت فى: ص، ط.
(٣) من هنا إلى قوله: «بمنه وكرمه آمين» الآتى ساقط من: ص، وهو فى: ط، ن.
(٤) بردة المديح ٥.
(٥) الوافى بالوفيات ١/ ٩٣.