قرأ القرآن على علىّ بن عمر القزوينىّ الزاهد، فعادت عليه بركته، وقرأ الفقه على قاضى القضاة محمد/بن علىّ الدّامغانىّ حتى برع.
وأفتى، ودرّس بالشّرقيّة التى أنشأها شرف الملك بباب الطّاق، وكان مدرّسها وناظرها، وترسّل إلى ملوك الأطراف، وأمراء البلاد، من قبل الخليفة، وولى نقابة العبّاسيّين والطّالبيّين معا، سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة مدّة، ثم استعفى.
وكان شريف النّفس، قوىّ الدّين، وافر العلم، شيخ أصحاب الرّأى فى وقته وزاهدهم، وفقيه بنى العبّاس وراهبهم، وله الوجاهة الكبيرة عند الخلفاء، وانتهت إليه رياسة أصحاب أبى حنيفة ببغداد.
وجاور بمكة ناظرا فى مصالح الحرم.
وسمع «البخارىّ» من كريمة بنت أحمد المروزيّة، ببغداد.
وروى عنه جماعة من الأكابر والحفّاظ، وآخر من حدّث عنه أبو الفرج ابن كليب.
وقد مدحه أبو إسحاق الغزّىّ بقصيدة، أوّلها (١):
جفون يصحّ السّقم فيها فتسقم … ولحظ يناجيه الضّمير فيفهم
معانى جمال فى عبارات خلقة … لها ترجمان صامت يتكلّم
تألّفن فى عينى غزال مشنّف … بفتواه ما فى مذهب الحبّ يحكم
تضاعف بالشّكوى أذى الصّبّ فى الهوى … يحرّض فيه الظّالم المتظلّم
محا الله نونات الحواجب لم تزل … قسيّا لها دعج النّواظر أسهم
بنور الهدى قد صحّ معنى خطابه … وكلّ بعيد من سنا النّور مظلم
دقيق المعانى جلّ إيجاز لفظه … عن الوصف حتى عنه سحبان مفحم
يجود ويخشى أن يلام كأنّه … إذا جاد من خوف الملامة مجرم
وما حرّم الدّنيا ولكنّ قدره … من الملك فى الدّنيا أجلّ وأعظم
(١) أورد صاحب العقد الثمين ٤/ ٢٠٧ الأبيات ٥،٢،١ - ٩،٧.