الكتاب إلى بلخ سمع به أبو مطيع، فقام فزعا، ودخل على والى بلخ، فقال له: بلغ من خطر الدنيا أنّا نكفر بسببها. وكلّمه مرارا، وعظه حتى أبكاه، فقال: إنّى معك فيما تراه، ولكنّنى رجل عامل، لا أجترئ بالكلام، فتكلّم وكن آمنا، وقل ما شئت.
فلمّا كان يوم الجمعة ذهب أبو مطيع إلى الجامع، وقد قال له سلم (١) بن سالم: إنّى معك. وقال له أيضا أبو معاذ: إنّى معك. وجاء سلم إلى الجمعة متقلّدا بالسيف، ثم لمّا اجتمع الناس وأذّن المؤذّن، ارتقى أبو مطيع إلى المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبىّ ﷺ، وأخذ بلحيته فبكى، وقال: يا معشر المسلمين، بلغ من خطر الدنيا أن تجرّ إلى الكفر، من قال: ﴿وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ لغير يحيى بن زكريّا فهو كافر. فرجّ أهل المسجد بالبكاء، وقام الحرسيّان فهربا.
وقال ابن المبارك فى حقّه (٢): أبو مطيع له المنّة على جميع أهل الدنيا.
وقال محمد بن الفضل البلخىّ (٣): مات أبو مطيع وأنا ببغداد، فجاءنى المعلّى بن منصور، فعزّانى فيه ثم قال: لم يوجدها هنا منذ عشرين سنة مثله.
وقال مالك بن أنس لرجل: (٤) من أين أنت؟ قال: من بلخ. قال: قاضيكم أبو مطيع قام مقام الأنبياء.
قال بعضهم: (٥) رأيت أبا مطيع فى المنام، وكأنّى قلت له: ما فعل بك؟ فسكت حتى ألححت (٦) عليه، فقال: إنّ الله قد غفر لى وفوق المغفرة. قال: فقلت: ما حال أبى معاذ؟ قال: الملائكة تشتاق إلى رؤيته. قال: فقلت: غفر الله له؟ قال لى: من تشتاق الملائكة لرؤيته لم يغفر الله له (٧).
(١) فى الأصول هنا وفيما يأتى: «سالم»، والتصويب من تاريخ بغداد، وقد ترجمه القرشى فى الجواهر المضية برقم ٦٢١، ولم يزد على أن قال: «من أقران أبى مطيع وأبى معاذ».
(٢) تاريخ بغداد ٨/ ٢٢٤.
(٣) جاء فى تاريخ بغداد ٨/ ٢٢٣: «سمعت ابن فضيل-يعنى محمدا البلخى» ثم ساق الخبر وتكرر بعد هذا ذكر محمد ابن فضيل فى أخبار أبى مطيع هذا.
(٤) تاريخ بغداد ٨/ ٢٢٤.
(٥) هو شوذب بن جعفر. كما فى تاريخ بغداد ٢٢٤،٨/ ٢٢٣.
(٦) فى الأصول: «ألحيت» وهذه طريقة المتأخرين للتخلص من الفك، والمثبت فى تاريخ بغداد.
(٧) تكملة من تاريخ بغداد.