قال: وكان تاج الدين يكثر الجلوس على دكّان عطّار بباب حيرون، فجاءته امرأة طلبت منه حاجة، فأعطاها، وأخرى وأخرى إلى أن ضجر، فقال لها العطّار، فى كلام جرى بينهما: أخذتى (١) والله مخّى.
فقال له الكندىّ: لا تلمها، فإنّها محتاجة إليه، تريد أن تطعمه لزوجها.
ومن شعر التّاج الكندىّ قوله (٢):
لامنى فى اختصار كتبى حبيب … فرّقت بينه اللّيالى وبينى
كيف لى لو أطلت لكنّ عذرى … فيه أنّ المداد إنسان عينى (٣)
ومنه أيضا قوله (٤):
أرى المرء يهوى أن تطول حياته … وفى طولها إرهاق ذلّ وإزهاق
تمنّيت فى عصر الشّبيبة أنّنى … أعمّر والأعمار لا شكّ أرزاق
فلمّا أتانى ما تمنّيت ساءنى … من العمر ما قد كنت أهوى وأشتاق
عرتنى أعراض شديد مراسها … علىّ وهمّ ليس لى فيه إفراق
وها أنا فى إحدى وتسعين حجّة … لها فىّ إرعاد مخوف وإبراق
يخيّل لى فكرى إذا كنت خاليا … ركوبى على الأعناق والسّير إعناق (٥)
ويذكرنى مرّ النّسيم وروحه … حفائر يعلوها من التّرب أطباق
يقولون درياق لمثلك نافع … ومالى إلاّ رحمة الله درياق
ومنه أيضا (٦):
عجبت لمن ينتابه الموت غيلة … يروح به أو يغتدى كيف يبخل
وهب أنه من فجأة الموت آمن … مسرّته بالعيش لا تتبدّل
أليس يرى أنّ الذى خلق الورى … بأرزاقهم ما عمّروا متكفّل (٧)
(١) كذا على حكاية قول العامة.
(٢) كتاب «أبو اليمن» ٨١.
(٣) فى كتاب «أبو اليمن»: «ليتنى لو أطلت»، وفى حاشيته مثل ما هنا.
(٤) كتاب «أبو اليمن» ٧١،٧٠.
(٥) سقط هذا البيت من كتاب «أبو اليمن»، وهو فى المصادر التى ذكرها المؤلفان.
(٦) كتاب «أبو اليمن» ٤٦.
(٧) فى كتاب «أبو اليمن»: «يتكفل».