أَنَّهُ الْأَصَحُّ (وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ) وَلَا يَصِحُّ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ بَلْ (يَقَعُ عَنْ وَاجِبٍ نَوَاهُ) مُطْلَقًا فَرْقًا بَيْنَ تَعْيِينِ الشَّارِعِ وَالْعَبْدِ (وَلَوْ صَامَ مُقِيمٌ عَنْ غَيْرِ رَمَضَانَ) وَلَوْ (لِجَهْلِهِ بِهِ) أَيْ بِرَمَضَانَ (فَهُوَ عَنْهُ) لَا عَمَّا نَوَى لِحَدِيثِ «إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَلَا صَوْمَ إلَّا عَنْ رَمَضَانَ» .
(وَيَحْتَاجُ صَوْمُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ إلَى نِيَّةٍ) وَلَوْ صَحِيحًا مُقِيمًا تَمْيِيزًا لِلْعِبَادَةِ عَنْ الْعَادَةِ. وَقَالَ زُفَرُ وَمَالِكٌ: تَكْفِي نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ كَالصَّلَاةِ.
ــ
رد المحتار
بِمَظِنَّةِ الْعَجْزِ وَهُوَ السَّفَرُ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ فَإِنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِحَقِيقَةِ الْعَجْزِ فَإِذَا صَامَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ عَاجِزٍ. وَاسْتَشْكَلَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّ الْمُرَخَّصَ هُوَ الْمَرَضُ الَّذِي يَزْدَادُ بِالصَّوْمِ لَا الْمَرَضُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى الصَّوْمِ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إذَا صَامَ ظَهَرَ فَوَاتُ شَرْطِ الرُّخْصَةِ. قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: وَجَوَابُهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ وَتَتَعَلَّقُ الرُّخْصَةُ بِحَقِيقَةِ الْعَجْزِ، وَأَمَّا الَّذِي يُخَافُ فِيهِ ازْدِيَادُ الْمَرَضِ فَهُوَ كَالْمُسَافِرِ بِلَا خِلَافٍ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الْكَرْخِيِّ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ سَهْوٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ بِالْمَرِيضِ الَّذِي يُطِيقُ الصَّوْمَ وَكَانَ مِنْهُ ازْدِيَادُ الْمَرَضِ. اهـ.
تَنْبِيهٌ تَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِ الْبَحْرِ أَنَّ فِي الْمَرِيضِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا مَا فِي الْأَشْبَاهِ الْمَذْكُورُ هُنَا وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَجَمْعٌ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمَعِ. ثَانِيهَا: مَا مَرَّ فِي الْمَتْنِ أَنَّهُ يَقَعُ عَمَّا نَوَى وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَقِيلَ إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَيَنْبَغِي وُقُوعُهُ عَنْ رَمَضَانَ فِي النَّفْلِ كَالْمُسَافِرِ كَمَا مَرَّ.
ثَالِثُهَا: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَضُرَّهُ الصَّوْمُ فَتَتَعَلَّقُ الرُّخْصَةُ بِخَوْفِ الزِّيَادَةِ فَيَصِيرُ كَالْمُسَافِرِ يَقَعُ عَمَّا نَوَى وَبَيْنَ أَنْ لَا يَضُرَّهُ الصَّوْمُ كَفَسَادِ الْهَضْمِ فَتَتَعَلَّقُ الرُّخْصَةُ بِحَقِيقَتِهِ فَيَقَعُ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ وَاخْتَارَهُ فِي الْكَشْفِ وَالتَّحْرِيرِ. اهـ.
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ مَا مَرَّ عَنْ التَّلْوِيحِ وَجَعَلَهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ مَحْمَلَ الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ: إنَّهُ تَحْقِيقٌ يَحْصُلُ بِهِ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْ لَا يَضُرُّهُ الصَّوْمُ، وَحَمْلِ مَا اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى مَنْ يَضُرُّهُ وَتَعَقَّبَ الْأَكْمَلُ فِي التَّقْرِيرِ هَذَا الْقَوْلَ بِأَنَّ مَنْ لَا يَضُرُّهُ الصَّوْمُ لَا يُرَخَّصُ لَهُ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّهُ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ.
قُلْت: وَأَجَبْت عَنْهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الْعُمُومَ تَارَةً يَزْدَادُ بِهِ الْمَرَضُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ كَمَرَضِ الْعَيْنِ مَثَلًا وَتَارَةً لَا يَضُرُّهُ كَمَرِيضٍ بِفَسَادِ الْهَضْمِ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَا يَضُرُّهُ بَلْ يَنْفَعُهُ فَالْأَوَّلُ تَتَعَلَّقُ الرُّخْصَةُ فِيهِ بِخَوْفِ الزِّيَادَةِ وَالثَّانِي بِحَقِيقَةِ الْعَجْزِ بِأَنْ يَصِلَ إلَى حَالَةٍ لَا يُمْكِنُهُ مَعَهَا الصَّوْمُ، فَإِذَا صَامَ ظَهَرَ عَدَمُ عَجْزِهِ فَيَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ لَا يَضُرُّهُ لَا يَقُولُ عَاقِلٌ بِأَنَّهُ يُرَخَّصُ لَهُ الْفِطْرُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ إلَخْ) تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي رَمَضَانَ فَقَطْ (قَوْلُهُ: بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ) كَقَضَاءِ رَمَضَانَ أَوْ الْكَفَّارَةِ أَمَّا لَوْ نَوَى النَّفَلَ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ سِرَاجٌ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ يَقَعُ عَنْ النَّفْلِ وَأَبَا يُوسُفَ عَنْ النَّذْرِ (قَوْلُهُ عَنْ وَاجِبٍ نَوَاهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا وَإِذَا وَقَعَ عَمَّا نَوَى وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْمَنْذُورِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِجَهْلِهِ) زَادَ لَفْظَةَ وَلَوْ لِيَدْخُلَ غَيْرُ الْجَاهِلِ لَكِنَّ الْأُولَى إسْقَاطُهَا؛ لِأَنَّ الْعَالِمَ تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ وَبِخَطَأٍ فِي وَصْفٍ ط.
وَأَفَادَ أَنَّ الصَّوْمَ وَاقِعٌ فِي رَمَضَانَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا جَهِلَ شَهْرَ رَمَضَانَ كَالْأَسِيرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَتَحَرَّى وَصَامَ عَنْهُ شَهْرًا وَبَيَانُهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ صَامَ بِالتَّحَرِّي سِنِينَ كَثِيرَةً ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَامَ فِي كُلِّ سَنَةٍ قَبْلَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَهَلْ يَجُوزُ صَوْمُهُ فِي الثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى وَفِي الثَّالِثَةِ عَنْ الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا قِيلَ يَجُوزُ وَقِيلَ لَا وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ إنْ نَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ مُبْهَمًا يَجُوزُ عَنْ الْقَضَاءِ، وَإِنْ نَوَى عَنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مُفَسَّرًا لَا يَجُوزُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: «فَلَا صَوْمَ إلَّا عَنْ رَمَضَانَ» ) أَيْ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ صَوْمُ غَيْرِهِ وَمَحَلُّهُ فِيمَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَلَا يَرِدُ الْمُسَافِرُ إذَا نَوَى وَاجِبًا آخَرَ ط.
(قَوْلُهُ: عَنْ الْعَادَةِ) أَيْ عَادَةِ الْإِمْسَاكِ حِمْيَةً أَوْ لِعُذْرٍ ط (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ وَمَالِكٌ تَكْفِي نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ) أَيْ عَنْ الشَّهْرِ كُلِّهِ وَرُوِيَ عَنْ زُفَرَ أَنَّ الْمُقِيمَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَلَوْ مُسَافِرًا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْوِيَ مِنْ اللَّيْلِ