وَلَعَلَّ كَرَاهَةَ تَكْرَارِهِ فِي مَجْلِسٍ تَنْزِيهِيَّةٌ، بَلْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَعْزِيًّا لِلْجَوَاهِرِ الْإِسْرَافُ فِي الْمَاءِ الْجَارِي جَائِزٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَيَّعٍ، فَتَأَمَّلْ.
(وَمَسْحُ كُلِّ رَأْسِهِ مَرَّةً)
ــ
رد المحتار
الْفِعْلِ، حَتَّى لَوْ زَادَ أَوْ نَقَصَ وَاعْتَقَدَ أَنَّ الثَّلَاثَ سُنَّةٌ لَا يَلْحَقُهُ الْوَعِيدُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ؛ وَفِي الْحَدِيثِ لَفٌّ وَنَشْرٌ؛ لِأَنَّ التَّعَدِّي يَرْجِعُ إلَى الزِّيَادَةِ وَالظُّلْمُ إلَى النُّقْصَانِ. اهـ.
أَقُولُ: وَصَرِيحُ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مَعَ اعْتِقَادِ سُنِّيَّةِ الثَّلَاثِ، وَلِذَا ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا أَنَّ تَرْكَ الْإِسْرَافِ وَالتَّقْتِيرِ مَنْدُوبٌ، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة لَا يُكْرَهُ إلَّا أَنْ يَرَى السُّنَّةَ فِي الزِّيَادَةِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ اكْتَفَى بِمَرَّةٍ وَاعْتَادَهُ أَثِمَ وَلِمَا سَيَأْتِي بَعْدَ وَرَقَةٍ مِنْ أَنَّ الْإِسْرَافَ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا وَمِنْهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ؛ وَلِهَذَا فَرَّعَ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِحَمْلِ الْوَعِيدِ عَلَى اعْتِقَادِ سُنِّيَّةِ الزِّيَادَةِ أَوْ النَّقْصِ بِقَوْلِهِ: " فَلَوْ زَادَ " لِقَصْدِ الْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ، أَوْ لِطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ عِنْدَ الشَّكِّ، أَوْ نَقَصَ لِحَاجَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ، فَإِنَّ مُفَادَ هَذَا التَّفْرِيعِ أَنَّهُ لَوْ زَادَ أَوْ نَقَصَ بِلَا غَرَضٍ صَحِيحٍ يُكْرَهُ وَإِنْ اعْتَقَدَ سُنِّيَّةَ الثَّلَاثِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْحِلْيَةِ فَقَالَ: وَهَلْ لَوْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِمَا ذُكِرَ يُكْرَهُ؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ إسْرَافٌ لَكِنْ لَوْ كَانَ قَصْدُهُ بِالزِّيَادَةِ الْوُضُوءَ عَلَى الْوُضُوءِ، إنَّمَا تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ إذَا كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَوَّلِ وَصَلَّى بِهِ أَوْ تَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ عَلَى مَا مَرَّ وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَى كُلٍّ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَ مَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ، وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً لَا يُكْرَهُ مَا لَمْ يَعْتَقِدْهُ سُنَّةً، وَإِنْ اعْتَادَهُ وَأَصَرَّ عَلَيْهِ يُكْرَهُ وَإِنْ اعْتَقَدَ سُنِّيَّةَ الثَّلَاثِ إلَّا إذَا كَانَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُمْ: لَوْ نَوَى الْوُضُوءَ عَلَى الْوُضُوءِ لَا بَأْسَ بِهِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي السِّرَاجِ مِنْ أَنَّ تَكْرَارَهُ فِي مَجْلِسٍ مَكْرُوهٌ، وَحَمْلُهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ بَعِيدٌ.
وَحَاصِلُ الْجَوَابِ حَمْلُ الْكَرَاهَةِ عَلَى التَّنْزِيهِيَّةِ، فَلَا تُنَافِي قَوْلَهُمْ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ غَالِبَ اسْتِعْمَالِهَا فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى. أَقُولُ: وَفِي الْجَوَابِ نَظَرٌ، لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّهُ نُورٌ عَلَى نُورٍ، فَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْمَنْدُوبِ لَا فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى فَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ النَّهْرِ مِنْ أَنَّ (الْمَكْرُوهَ تَكْرَارُهُ فِي مَجْلِسٍ إلَخْ) تَرَقٍّ فِي الْجَوَابِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْإِسْرَافَ مَكْرُوهٌ وَلَوْ بِمَاءِ النَّهْرِ؛ وَلِذَا قَالَ: تَأَمَّلْ، وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. مَطْلَبٌ قَدْ يُطْلَقُ الْجَائِزُ عَلَى مَا لَا يَمْتَنِعُ شَرْعًا فَيَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ
وَقَدْ يُقَالُ: أَطْلَقَ الْجَائِزَ وَأَرَادَ بِهِ مَا يَعُمُّ الْمَكْرُوهَ. فَفِي الْحِلْيَةِ عَنْ أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ مَا لَا يَمْتَنِعُ شَرْعًا وَهُوَ يَشْمَلُ الْمُبَاحَ وَالْمَكْرُوهَ وَالْمَنْدُوبَ وَالْوَاجِبَ اهـ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ تَحْرِيمًا مُمْتَنِعٌ شَرْعًا مَنْعًا لَازِمًا. مَطْلَبٌ فِي تَصْرِيفِ قَوْلِهِمْ مَعْزِيًّا
(قَوْلُهُ: مَعْزِيًّا) يُقَالُ: عَزَوْته وَعَزَيْته لُغَةً إذَا نَسَبْته صِحَاحٌ، فَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ الْيَائِيِّ اللَّامِ، أَصْلُهُ مَعْزُوِّي، فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ، وَيَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ الْوَاوِ أَيْضًا، فَإِنَّ الْقِيَاسَ فِيهِ مَعْزُوٌّ مِثْلُ مَغْزُوٌّ، لَكِنَّهُ قَدْ تُقْلَبُ الْوَاوَانِ فِيهِ يَاءَيْنِ، وَهُوَ فَصِيحٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ التَّصْرِيفِ.
(قَوْلُهُ: مَرَّةً) لَوْ قَالَ بَدَلَهُ بِمَاءٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي الْفَتْحِ. رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ إذَا مَسَحَ ثَلَاثًا بِمَاءٍ وَاحِدٍ كَانَ مَسْنُونًا اهـ وَعَلَيْهِ