مُسْتَوْعِبَةً، فَلَوْ تَرَكَهُ وَدَوَامَ عَلَيْهِ أَثِمَ
(وَأُذُنَيْهِ) مَعًا وَلَوْ (بِمَائِهِ) -
ــ
رد المحتار
حَمَلَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ رِوَايَةِ التَّثْلِيثِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ. وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِالْمَرَّةِ الْأُولَى، فَكَيْفَ يُسَنُّ التَّكْرَارُ؟ لِمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ فِي الْعُضْوِ لَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا (قَوْلُهُ: مُسْتَوْعِبَةً) هَذَا سُنَّةٌ أَيْضًا، كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفَتْحِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّهُ إذَا دَاوَمَ عَلَى تَرْكِ الِاسْتِيعَابِ بِلَا عُذْرٍ يَأْثَمُ، قَالَ: وَكَأَنَّهُ لِظُهُورِ رَغْبَتِهِ عَنْ السُّنَّةِ، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَتَكَلَّمُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْمَسْحِ. وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ وَأَصَابِعَهُ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَيَمُدَّهُمَا إلَى الْقَفَا عَلَى وَجْهٍ يَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ الرَّأْسِ ثُمَّ يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ بِأُصْبُعَيْهِ. اهـ. وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يُجَافِي الْمُسَبِّحَتَيْنِ وَالْإِبْهَامَيْنِ لِيَمْسَحَ بِهِمَا الْأُذُنَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ لِيَمْسَحَ بِهِمَا جَانِبَيْ الرَّأْسِ خَشْيَةَ الِاسْتِعْمَالِ، فَقَالَ فِي الْفَتْحِ: لَا أَصْلَ لَهُ فِي السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ، وَالْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ. تَنْبِيهٌ
لَوْ مَسَحَ ثَلَاثًا بِمِيَاهِ، قِيلَ: يُكْرَهُ، وَقِيلَ: إنَّهُ بِدْعَةٌ، وَقِيلَ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا يُكْرَهُ وَلَا يَكُونُ سُنَّةً وَلَا أَدَبًا، قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ الْأَوْلَى إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ اسْتَوْجَبَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْقَوْلَ بِالْكَرَاهَةِ، وَذَكَرْت مَا يُؤَيِّدُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ فَرَاجِعْهُ وَسَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ عَدُّهُ مِنْ الْمَنْهِيَّاتِ.
(قَوْلُهُ: وَأُذُنَيْهِ) أَيْ بَاطِنَهُمَا بِبَاطِنِ السَّبَّابَتَيْنِ، وَظَاهِرَهُمَا بِبَاطِنِ الْإِبْهَامَيْنِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: مَعًا) أَيْ فَلَا تَيَامُنَ فِيهِمَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِمَائِهِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ أَخَذَ لِلْأُذُنَيْنِ مَاءً جَدِيدًا فَهُوَ حَسَنٌ، وَذَكَرَهُ مُلَّا مِسْكِينٌ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْخُذْ مَاءً جَدِيدًا وَمَسَحَ بِالْبِلَّةِ الْبَاقِيَةِ هَلْ يَكُونُ مُقِيمًا لِلسُّنَّةِ؟ فَعِنْدَنَا نَعَمْ، وَعِنْدَهُ لَا. أَمَّا لَوْ أَخَذَ مَاءً جَدِيدًا مَعَ بَقَاءِ الْبِلَّةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُقِيمًا لِلسُّنَّةِ اتِّفَاقًا اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ.
أَقُولُ: مُقْتَضَاهُ أَنَّ مَسْحَ الْأُذُنَيْنِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ أَوْلَى مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ؛ لِيَكُونَ آتِيًا بِالسُّنَّةِ اتِّفَاقًا، وَهُوَ مُفَادُ تَعْبِيرِ الشَّارِحِ بِلَوْ الْوَصْلِيَّةِ تَبَعًا لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ وَصَاحِبِ الْبُرْهَانِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ، لَكِنَّ تَقْيِيدَ سَائِرِ الْمُتُونِ بِقَوْلِهِمْ بِمَائِهِ يُفِيدُ خِلَافَ ذَلِكَ، وَكَذَا تَقْرِيرُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَاسْتِدْلَالُهُمْ «بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ أَخَذَ غَرْفَةً فَمَسَحَ بِهَا رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ» وَبِقَوْلِهِ «الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ» وَكَذَا جَوَابُهُمْ عَمَّا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ لِأُذُنَيْهِ مَاءً جَدِيدًا بِأَنَّهُ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لِفِنَاءِ الْبِلَّةِ قَبْلَ الِاسْتِيعَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَلَوْ كَانَ أَخْذُ الْمَاءِ الْجَدِيدِ مُقِيمًا لِلسُّنَّةِ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ.
وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْخَبَّازِيَّةِ: وَلَا يُسَنُّ تَجْدِيدُ الْمَاءِ فِي كُلِّ بَعْضٍ مِنْ أَبْعَاضِ الرَّأْسِ، فَلَا يُسَنُّ فِي الْأُذُنَيْنِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ تَابِعٌ اهـ وَفِي الْحِلْيَةِ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَحْمَدَ أَنْ يَكُونَ بِمَاءِ الرَّأْسِ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ اهـ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَمِنْ السُّنَّةِ مَسَحَهُمَا بِمَاءِ الرَّأْسِ، وَلَا يَأْخُذُ لَهُمَا مَاءً جَدِيدًا. اهـ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَالْبَدَائِعِ: وَهُوَ سُنَّةٌ بِمَاءِ الرَّأْسِ، قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَيْ لَا بِمَاءٍ جَدِيدٍ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ اسْتِيعَابُ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ سُنَّةٌ، وَلَا يَتِمُّ بِدُونِهِمَا حَيْثُ جُعِلَتَا مِنْ الرَّأْسِ أَيْ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ. وَفِي شَرْحِ الدُّرَرِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ: وَلَوْ أُفْرِدَا بِالْمَسْحِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ لَصَارَا أَصْلَيْنِ، وَذَا لَا يَجُوزُ. اهـ. فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي مَشَى عَلَيْهَا أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ الْمَوْضُوعَةِ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي.