لَكِنْ لَوْ مَسَّ عِمَامَتَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ مَاءٍ جَدِيدٍ
(وَالتَّرْتِيبُ) الْمَذْكُورُ فِي النَّصِّ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرْضٌ، وَهُوَ مُطَالَبٌ بِالدَّلِيلِ
(وَالْوِلَاءُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ: غَسْلُ الْمُتَأَخِّرِ أَوْ مَسْحِهِ قَبْلَ جَفَافِ الْأَوَّلِ بِلَا عُذْرٍ.
ــ
رد المحتار
وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فَتَدَبَّرْهُ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ رَأَيْت الْمُصَنِّفَ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ عَلَى زَادِ الْفَقِيرِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ عِبَارَةَ الْخُلَاصَةِ السَّابِقَةِ مَا نَصُّهُ؛ قُلْت: قَوْلُهُ: وَلَوْ فَعَلَ فَحَسَنٌ، مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يَكُونُ خِلَافَ السُّنَّةِ، وَخِلَافُ السُّنَّةِ كَيْفَ يَكُونُ حَسَنًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ (قَوْلُهُ: لَكِنْ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا انْعَدَمَتْ الْبِلَّةُ بِمَسِّ الْعِمَامَةِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِذَا انْعَدَمَتْ الْبِلَّةُ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْأَخْذِ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: لَا بُدَّ مِنْ الْأَخْذِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ بِمَسِّ الْعِمَامَةِ يَحْصُلُ الِانْفِصَالُ فَيُحْكَمُ عَلَى الْبِلَّةِ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: لَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ رَفَعَهُمَا قَبْلَ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَخْذِ مَاءٍ جَدِيدٍ وَلَوْ كَانَتْ الْبِلَّةُ بَاقِيَةً، تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: الْمَذْكُورُ فِي النَّصِّ) أَيْ التَّرْتِيبُ الْمَذْكُورُ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ فِي قَوْلِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ: وَالتَّرْتِيبُ الْمَنْصُوصُ النَّصَّ الْأُصُولِيَّ، بَلْ الْمُرَادُ الْمَذْكُورُ، إذْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ؛ فَلَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِيهَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُطَالَبٌ بِالدَّلِيلِ) أَيْ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَنَا إلَى الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ الِافْتِرَاضِ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَمُدَّعِيه مُطَالَبٌ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَقَدْ عُلِمَ التَّرْتِيبُ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقُلْنَا بِسُنِّيَّتِهِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ: وَالْوِلَاءُ) اسْمُ مَصْدَرٍ وَالْمَصْدَرُ الْمُوَالَاةُ. قَالَ الْحَمَوِيُّ: لَا تَتَحَقَّقُ الْمُوَالَاةُ إلَّا بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ اهـ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، إذْ مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا يَتَّجِهُ أَنْ لَوْ كَانَتْ الْمُوَالَاةُ مُعْتَبَرَةً فِي جَانِبِ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ فَقَطْ، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْوَاوِ) أَيْ مَعَ الْمُدِّ، وَهُوَ لُغَةً: التَّتَابُعُ. قَالَ ط: وَأَمَّا بِفَتْحِهَا فَهُوَ صِفَةٌ تُوجِبُ لِمَنْ قَامَتْ بِهِ التَّعْصِيبُ لِمَنْ أَعْتَقَهُ مَثَلًا (قَوْلُهُ: غَسْلُ الْمُتَأَخِّرِ إلَخْ) عَرَّفَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِغَسْلِ الْعُضْوِ الثَّانِي قَبْلَ جَفَافِ الْأَوَّلِ. زَادَ الْحَدَّادِيُّ مَعَ اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ وَالْبَدَنِ وَعَدَمِ الْعُذْرِ. وَعَرَّفَهُ الْأَكْمَلُ فِي التَّقْرِيرِ بِالتَّتَابُعِ فِي الْأَفْعَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا جَفَافُ عُضْوٍ مَعَ اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ جَفَّ الْعُضْوُ الْأَوَّلُ بَعْدَ غَسْلِ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ وِلَاءٌ. وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ وِلَاءً، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ الْأَوْلَى.
وَفِي النَّهْرِ: الظَّاهِرُ لَا يَكُونُ وِلَاءً، لِمَا فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ تَجْفِيفَ الْأَعْضَاءِ قَبْلَ غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ فِيهِ تَرْكُ الْوِلَاءِ فَيُحْمَلُ الثَّانِي فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ اهـ أَيْ فَيُرَادُ بِالثَّانِي جَمِيعُ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ لَا مَا يَلِيه فَقَطْ، وَلَا يَخْفَى يَعُدُّهُ؛ لِمَا فِي السِّرَاجِ. حَدُّهُ أَنْ لَا يَجِفَّ الْمَاءُ عَنْ الْعُضْوِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ مَا بَعْدَهُ.
وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: هُوَ أَنْ يَغْسِلَ كُلَّ عُضْوٍ عَلَى أَثَرِ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَا يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ يَجِفُّ السَّابِقُ.
وَلَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ صَادِقٌ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ، وَأَنَّ حَمْلَ التَّعْرِيفِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ أَقْرَبُ مِنْ عَكْسِهِ، بِأَنْ يُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا جَفَافُ عُضْوٍ: أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِفَّ عُضْوٌ قَبْلَ غَسْلِ مَا بَعْدَهُ، وَكَذَا قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: هُوَ غَسْلُ عُضْوٍ قَبْلَ جَفَافِ مُتَقَدِّمِهِ اهـ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَبَعًا لِابْنِ كَمَالٍ أَوْ مَسْحُهُ، فَإِنَّهُ كَمَا يَشْمَلُ مَسْحَ الْخُفِّ يَشْمَلُ مَسْحَ الرَّأْسِ، فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْمُتَأَخِّرِ فِي كَلَامِهِ عَلَى جَمِيعِ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ حَقِيقَةً فَافْهَمْ، نَعَمْ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ تَعْرِيفِ الدُّرَرِ.
هَذَا وَقَدْ عَرَّفَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنْ لَا يَشْتَغِلَ بَيْنَ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ بِمَا لَيْسَ مِنْهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا أَعَمُّ مِنْ التَّعْرِيفَيْنِ السَّابِقَيْنِ مِنْ وَجْهٍ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ: هُوَ أَنْ لَا يَمْكُثَ فِي أَثْنَائِهِ مِقْدَارَ مَا يَجِفُّ فِيهِ الْعُضْوُ.