حَتَّى لَوْ فَنِيَ مَاؤُهُ فَمَضَى لِطَلَبِهِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَمِثْلُهُ الْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ، وَعِنْدَ مَالِكٍ فَرْضٌ؛ وَمِنْ السُّنَنِ: الدَّلْكُ، وَتَرْكُ الْإِسْرَافِ، وَتَرْكُ لَطْمِ الْوَجْهِ بِالْمَاءِ، وَغَسْلُ فَرْجِهَا الْخَارِجِ
(وَمُسْتَحَبُّهُ) وَيُسَمَّى مَنْدُوبًا وَأَدَبًا
ــ
رد المحتار
أَقُولُ: يُمْكِنُ جَعْلُ هَذَا تَوْضِيحًا لِمَا مَرَّ، بِأَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ جَفَافُ الْعُضْوِ حَقِيقَةً أَوْ مِقْدَارُهُ، وَحِينَئِذٍ فَيَتَّجِهُ ذِكْرُ الْمَسْحِ، فَلَوْ مَكَثَ بَيْنَ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ أَوْ الرَّأْسِ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهُ بِمِقْدَارِ مَا يَجِفُّ فِيهِ عُضْوٌ مَغْسُولٌ كَانَ تَارِكًا لِلْوِلَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ اعْتِبَارُهُمْ الْوِلَاءَ فِي التَّيَمُّمِ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا مَعَ أَنَّهُ لَا غَسْلَ فِيهِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ فَنِيَ مَاؤُهُ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْعُذْرِ (قَوْلُهُ: لَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ عَلَى الصَّحِيحِ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ) أَيْ إذَا فَرَّقَ بَيْنَ أَفْعَالِهِمَا لِعُذْرٍ لَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي السِّرَاجِ، وَمُفَادُهُ اعْتِبَارُ سُنِّيَّةِ الْمُوَالَاةِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: وَمِنْ السُّنَنِ) أَتَى بِمِنْ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ بَقِيَ غَيْرُهَا: فَفِي الْفَتْحِ: وَمِنْ السُّنَنِ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَالْبُدَاءَةُ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَمِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْمَوَاهِبِ بَدَلَ الْأَوَّلِ التَّيَامُنَ وَمَسْحَ الرَّقَبَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ الْأَرْبَعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ (قَوْلُهُ: الدَّلْكُ) أَيْ بِإِمْرَارِ الْيَدِ وَنَحْوِهَا عَلَى الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ حِلْيَةٌ: وَعَدَّهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ، وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، نَعَمْ تَابَعَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَتَرْكُ الْإِسْرَافِ) عَدَّهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ أَيْضًا، وَلَمْ يُتَابِعْ أَيْضًا بَلْ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ بِضَعْفِهِ، وَقَالَ: إنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ الْإِسْرَافِ. اهـ. وَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ: وَتَرْكُ لَطْمِ الْوَجْهِ بِالْمَاءِ) جَعَلَهُ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ، وَسَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ كَالزَّيْلَعِيِّ بِكَرَاهَتِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَيَكُونُ تَرْكُهُ سُنَّةً لَا أَدَبًا، لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّهُ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا (قَوْلُهُ: وَغَسْلُ فَرْجِهَا الْخَارِجِ) أَقُولُ: فِي تَقْيِيدِهِ بِالْمَرْأَةِ نَظَرٌ، فَقَدْ عَدَّ فِي الْمُنْيَةِ الِاسْتِنْجَاءَ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ. وَفِي النِّهَايَةِ إنَّهُ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ. بَلْ أَقْوَاهَا لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَسَائِرُ السُّنَنِ لِإِزَالَةِ الْحُكْمِيَّةِ. وَجَعَلَ فِي الْبَدَائِعِ سُنَنَ الْوُضُوءِ عَلَى أَنْوَاعٍ: نَوْعٌ يَكُونُ قَبْلَهُ، وَنَوْعٌ فِي ابْتِدَائِهِ، وَنَوْعٌ فِي أَثْنَائِهِ، وَعَدَّ مِنْ الْأَوَّلِ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحَجَرِ، وَمِنْ الثَّانِي الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ.
مَطْلَبٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَنْدُوبِ وَالْمُسْتَحَبِّ وَالنَّفَلِ وَالتَّطَوُّعِ
(قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى مَنْدُوبًا وَأَدَبًا) زَادَ غَيْرُهُ وَنَفْلًا وَتَطَوُّعًا، وَقَدْ جَرَى عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُسْتَحَبِّ وَالْمَنْدُوبِ وَالْأَدَبِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي عَلَى الدُّرَرِ؛ فَيُسَمَّى مُسْتَحَبًّا مِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّارِعَ يُحِبُّهُ وَيُؤْثِرُهُ، وَمَنْدُوبًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بَيَّنَ ثَوَابَهُ وَفَضِيلَتَهُ؛ مِنْ نَدْبِ الْمَيِّتِ: وَهُوَ تَعْدِيدُ مَحَاسِنِهِ، وَنَفْلًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زَائِدٌ عَلَى الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ، وَيَزِيدُ بِهِ الثَّوَابُ، وَتَطَوُّعًا مِنْ حَيْثُ إنَّ فَاعِلَهُ يَفْعَلُهُ تَبَرُّعًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْمَرَ بِهِ حَتْمًا اهـ مِنْ شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَلَى الْبُرْجَنْدِيِّ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ السُّنَّةِ وَصَرَّحَ الْقُهُسْتَانِيُّ بِأَنَّهُ دُونَ سُنَنِ الزَّوَائِدِ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَحُكْمُهُ الثَّوَابُ عَلَى الْفِعْلِ وَعَدَمُ اللَّوْمِ عَلَى التَّرْكِ. اهـ. مَطْلَبٌ تَرْكُ الْمَنْدُوبِ هَلْ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ التَّنْزِيهِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى
وَهَلْ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا، فِي الْبَحْرِ لَا، وَنَازَعَهُ فِي النَّهْرِ بِمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ الْجَنَائِزِ وَالشَّهَادَاتِ أَنَّ مَرْجِعَ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ خِلَافُ الْأَوْلَى. قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ تَرْكَ الْمَنْدُوبِ خِلَافُ الْأَوْلَى اهـ.
أَقُولُ: لَكِنْ أَشَارَ فِي التَّحْرِيرِ إلَى أَنَّهُ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، بِأَنَّ خِلَافَ الْأَوْلَى مَا لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ نَهْيٍ كَتَرْكِ صَلَاةِ الضُّحَى بِخِلَافِ الْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا، نَعَمْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: إنَّ هَذَا أَمْرٌ يَرْجِعُ إلَى الِاصْطِلَاحِ، وَالْتِزَامُهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَالظَّاهِرُ تَسَاوِيهِمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ اللَّامِشِيُّ اهـ لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْأَكْلِ يَوْمَ الْأَضْحَى قَبْلَ الصَّلَاةِ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ