وَقَدْ كَثُرَ فِي زَمَانِنَا قَوْلُ الرَّجُلِ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى الْأَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِوُقُوعِهِ قَضَاءً وَدِيَانَةً.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ أَوْ فُلَانٍ الْقَاضِي أَوْ الْمُفْتِي دِينَ.
قَالَ: نِسَاءُ الدُّنْيَا أَوْ نِسَاءُ الْعَالَمِ طَوَالِقُ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ، بِخِلَافِ نِسَاءِ الْمَحَلَّةِ وَالدَّارِ وَالْبَيْتِ: وَفِي نِسَاءِ الْقَرْيَةِ وَالْبَلْدَةِ خِلَافُ الثَّانِي وَكَذَا الْعِتْقُ
قَالَتْ لِزَوْجِهَا: طَلِّقْنِي فَقَالَ فَعَلْتُ طَلُقَتْ، فَإِنْ قَالَتْ زِدْنِي فَقَالَ فَعَلْتُ طَلُقَتْ أُخْرَى. وَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي طَلِّقْنِي طَلِّقْنِي، فَقَالَ طُلِّقْتِ فَوَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ؛ وَلَوْ عَطَفَتْ بِالْوَاوِ فَثَلَاثٌ.
ــ
رد المحتار
مَنْقُولٌ ذَكَرْنَاهُ قَرِيبًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِوُقُوعِهِ قَضَاءً وَدِيَانَةً) وَلَا شُبْهَةَ فِي كَوْنِهِ رَجْعِيًّا لَا بَائِنًا لِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ كُلِّهَا عَلَى وُقُوعِ الرَّجْعِيِّ بِأَنْتِ طَالِقٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْخَيْرِيَّةِ؛ وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى مَذْهَبِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَا أَفْتَى بِهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَيْضًا، وَكَذَا: أَنْتِ طَالِقٌ لَا يَرُدُّكِ قَاضٍ وَلَا عَالِمٌ، أَوْ أَنْتِ تَحِلِّي لِلْخَنَازِيرِ وَتَحْرُمِي عَلَيَّ فَيَقَعُ بِالْكُلِّ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ (قَوْلُهُ فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ إلَخْ) وَكَذَا فِي قَوْلِ الْقُضَاةِ أَوْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْقُرْآنِ فَتَطْلُقُ قَضَاءً وَلَا تَطْلُقُ دِيَانَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ خَانِيَّةٌ: لَكِنْ فِي الْفَتْحِ أَوَّلَ الطَّلَاقَ: وَلَوْ قَالَ طَالِقٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ مَعَهُ، فَإِنْ نَوَى طَلَاقَ السُّنَّةِ وَقَعَ فِي أَوْقَاتِهَا وَإِلَّا وَقَعَ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْكِتَابَ يَدُلُّ عَلَى الْوُقُوعِ لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ؛ وَلَوْ قَالَ: عَلَى الْكِتَابِ أَوْ بِهِ عَلَى قَوْلِ الْقُضَاةِ أَوْ الْفُقَهَاءِ أَوْ طَلَاقِ الْقُضَاةِ أَوْ الْفُقَهَاءِ فَإِنْ نَوَى السُّنَّةَ دِينَ، وَفِي الْقَضَاءِ يَقَعُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ قَوْلَ الْقُضَاةِ وَالْفُقَهَاءِ يَقْتَضِي الْأَمْرَيْنِ، فَإِذَا خَصَّصَ دِينَ وَلَا يُسْمَعُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قَالَ نِسَاءُ الدُّنْيَا إلَخْ) فِي الْأَشْبَاهِ عَلَى عِتْقِ الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ قَالَ عَبِيدُ أَهْلِ بَغْدَادَ أَحْرَارٌ وَلَمْ يَنْوِ عَبْدَهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ قَالَ كُلُّ عَبِيدِ أَهْلِ بَغْدَادَ أَوْ كُلُّ عَبْدٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي الدُّنْيَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُعْتَقُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الطَّلَاقُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ وَلَوْ قَالَ: كُلُّ عَبْدٍ فِي هَذِهِ السِّكَّةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ حُرٌّ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ؛ وَلَوْ قَالَ: كُلُّ عَبْدٍ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَعَبِيدُهُ فِيهَا عَتَقُوا فِي قَوْلِهِمْ، لَا لَوْ قَالَ وَلَدُ آدَمَ كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ فِي قَوْلِهِمْ اهـ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْمَحَلَّةِ كَالْبَلْدَةِ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى السِّكَّةِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَوَّلًا الْخِلَافَ فِي نِسَاءِ أَهْلِ بَغْدَادَ طَالِقٌ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَرِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا تَطْلُقُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ عَامٌّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا تَطْلُقُ بِلَا نِيَّةٍ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ أَنَّ فِي الْقَرْيَةِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ، مِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقَهَا بِالْبَيْتِ وَالسِّكَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقَهَا بِالْمِصْرِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْخِلَافِ فِي السِّكَّةِ، ثُمَّ عَلَّلَ عَدَمَ الْوُقُوعِ فِي الْمِصْرِ وَأَهْلِ الدُّنْيَا، بِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ بِهِ لَكَانَ إنْشَاءً فِي حَقِّهِ فَيَكُونُ إنْشَاءً أَيْضًا فِي حَقِّهِمْ، وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى إجَازَتِهِمْ وَهِيَ مُتَعَذِّرَةٌ
(قَوْلُهُ فَقَالَ فَعَلْت) أَيْ طَلُقَتْ بِقَرِينَةِ الطَّلَبِ (قَوْلُهُ فَوَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ) أَيْ بِأَنْ نَوَى الْوَاحِدَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لِأَنَّهُ بِدُونِ الْعَطْفِ يَحْتَمِلُ تَكْرِيرَ الْأَوَّلِ وَيَحْتَمِلُ الِابْتِدَاءَ، فَأَيَّ ذَلِكَ نَوَى الزَّوْجُ صَحَّتْ نِيَّتُهُ كَذَا فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. وَفِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ تَقَعُ الثَّلَاثُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ نِيَّةَ الزَّوْجِ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَطَفَتْ بِالْوَاوِ فَثَلَاثٌ) لِأَنَّهُ قَرِينَةُ التَّكْرَارِ فَيُطَابِقُهُ الْجَوَابُ وَفِي الْخَانِيَّةِ: قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا فَقَالَ فَعَلْتُ، أَوْ قَالَ طَلَّقْتُ وَقَعْنَ؛ وَلَوْ قَالَ مُجِيبًا لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَقَعُ وَاحِدَةٌ اهـ أَيْ وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ طَلِّقْنِي أَمْرٌ بِالتَّطْلِيقِ، وَقَوْلُهُ طَلَّقْتُ تَطْلِيقٌ فَصَحَّ جَوَابًا وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ، بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ صِفَةٍ قَائِمَةٍ بِالْمَحَلِّ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ التَّطْلِيقُ اقْتِضَاءً تَصْحِيحًا لِلْوَصْفِ، وَالثَّابِتُ اقْتِضَاءٌ ضَرُورِيٌّ فَيَثْبُتُ التَّطْلِيقُ فِي حَقِّ صِحَّةِ هَذَا الْوَصْفِ لَا فِي حَقِّ كَوْنِهِ جَوَابًا فَبَقِيَ أَنْتِ طَالِقٌ كَلَامًا مُبْتَدَأً وَأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ