كَمَا فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ فَصَارَ كَالشُّرْبِ، فَأُجْرَةُ الْحَمَّامِ عَلَيْهِ. وَلَوْ كَانَ الِاغْتِسَالُ لَا عَنْ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ بَلْ لِإِزَالَةِ الشَّعَثِ وَالتَّفَثِ قَالَ شَيْخُنَا الظَّاهِرُ لَا يَلْزَمُهُ.
(وَيَحْرُمُ بِالْحَدَثِ) (الْأَكْبَرِ دُخُولُ مَسْجِدٍ) لَا مُصَلَّى عِيدٍ وَجِنَازَةٍ وَرِبَاطٍ وَمَدْرَسَةٍ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي الْحَيْضِ وَقُبَيْلِ الْوِتْرِ، لَكِنْ فِي وَقْفِ الْقُنْيَةِ: الْمَدْرَسَةُ إذَا لَمْ يَمْنَعْ أَهْلُهَا النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا فَهِيَ مَسْجِدٌ (وَلَوْ لِلْعُبُورِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (إلَّا لِضَرُورَةٍ) حَيْثُ لَا
ــ
رد المحتار
وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ يَنْقُلَهُ إلَيْهَا أَوْ يَدَعَهَا تَنْقُلُهُ بِنَفْسِهَا بَحْرٌ مِنْ بَابِ النَّفَقَةِ.
(قَوْلُهُ: فَأُجْرَةُ الْحَمَّامِ عَلَيْهِ) ذَكَرَهُ فِي نَفَقَةِ الْبَحْرِ بَحْثًا، قَالَ لِأَنَّهُ ثَمَنُ مَاءِ الِاغْتِسَالِ، لَكِنْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْحَمَّامِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ نُفَسَاءَ اهـ وَمَا بَحَثَهُ نَقَلَهُ الرَّمْلِيُّ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَلِذَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: الشَّعَثِ وَالتَّفَثِ) مُحَرَّكَانِ، وَالْأَوَّلُ انْتِشَارُ الشَّعْرِ وَاغْبِرَارُهُ لِقِلَّةِ التَّعَهُّدِ، وَالثَّانِي بِمَعْنَى الْوَسَخِ وَالدَّرَنِ، وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْقَامُوسِ، وَاعْتَرَضَهُ الشَّاهِينِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ.
(قَوْلُهُ: قَالَ شَيْخُنَا) أَيْ الْعَلَّامَةُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمِنَحِ.
(قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ لَا يَلْزَمُهُ) لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ كَمَاءِ الشُّرْبِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ حُكْمُ النَّفَقَةِ بَلْ لِلتَّزَيُّنِ لِلزَّوْجِ فَيَكُونُ كَالطِّيبِ رَحْمَتِيٌّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهَا بِإِزَالَتِهِ لَا يَلْزَمُهَا إلَّا إذَا دَفَعَ لَهَا مِنْ مَالِهِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: لَا مُصَلَّى عِيدٍ وَجِنَازَةٍ) فَلَيْسَ لَهُمَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا حُكْمُهُ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ، وَمِثْلُهُمَا فِنَاءُ الْمَسْجِدِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: وَرِبَاطٍ) هُوَ خَانْكَاةُ الصُّوفِيَّةُ ح وَهُوَ مُتَعَبَّدُهُمْ. وَفِي كَلَامِ ابْنِ وَفَا نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ مَا يُفِيدُ أَنَّهَا بِالْقَافِ فَإِنَّهُ قَالَ الْخَنْقُ فِي اللُّغَةِ: التَّضْيِيقُ، وَالْخَانِقُ: الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الزَّاوِيَةُ الَّتِي يَسْكُنُهَا صُوفِيَّةُ الرُّومِ الْخَانْقَاهْ لِتَضْيِيقِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالشُّرُوطِ الَّتِي يَلْتَزِمُونَهَا فِي مُلَازَمَتِهَا وَيَقُولُونَ فِيهَا أَيْضًا مَنْ غَابَ عَنْ الْحُضُورِ غَابَ نَصِيبُهُ إلَّا أَهْلَ الْخَوَانِقِ وَهِيَ مَضَايِقُ اهـ ط. وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهَا رِبَاطًا أَنَّهَا مِنْ الرَّبْطِ: أَيْ الْمُلَازَمَةِ عَلَى الْأَمْرِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمَقَامُ فِي ثَغْرِ الْعَدُوِّ رِبَاطًا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} آل عمران: ٢٠٠ وَمَعْنَاهُ انْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ» أَفَادَهُ فِي الْقَامُوسِ.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ إلَخْ) فِي هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْقُنْيَةِ فِي مَسْجِدِ الْمَدْرَسَةِ لَا فِي الْمَدْرَسَةِ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ الْمَسَاجِدُ الَّتِي فِي الْمَدَارِسِ مَسَاجِدُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا، وَإِذَا غُلِقَتْ يَكُونُ فِيهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِهَا. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ دَارٌ فِيهَا مَسْجِدٌ لَا يَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا، إنْ كَانَتْ الدَّارُ لَوْ أُغْلِقَتْ كَانَ لَهُ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ فِيهَا فَهُوَ مَسْجِدُ جَمَاعَةٍ تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْمَسْجِدِ مِنْ حُرْمَةِ الْبَيْعِ وَالدُّخُولِ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانُوا لَا يَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ لِلْعُبُورِ) أَيْ الْمُرُورِ، لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبُيُوتُ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ، فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» وَالْمُرَادُ بِعَابِرِي سَبِيلٍ فِي الْآيَةِ الْمُسَافِرُونَ كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، فَالْمُسَافِرُ مُسْتَثْنًى مِنْ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ بِلَا اغْتِسَالٍ، ثُمَّ بَيَّنَ فِي الْآيَةِ أَنَّ حُكْمَهُ التَّيَمُّمُ، وَتَمَامُ الْأَدِلَّةِ مِنْ السُّنَّةِ وَغَيْرِهَا مَبْسُوطٌ فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ: وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ دُخُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسْجِدَ جُنُبًا وَمُكْثَهُ فِيهِ مِنْ خَوَاصِّهِ، وَكَذَا هُوَ مِنْ خَوَاصِّ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا وَرَدَ مِنْ طُرُقِ ثِقَاتٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ. وَأَمَّا الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ لِأَهْلِ الْبَيْتِ وَكَلُبْسِ الْحَرِيرِ لَهُمْ فَهُوَ اخْتِلَاقٌ مِنْ الشِّيعَةِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا لِضَرُورَةٍ) قَيَّدَ بِهِ فِي الدُّرَرِ وَكَذَا فِي عُيُونِ الْمَذَاهِبِ لِلْكَاكِيِّ شَارِحِ الْهِدَايَةِ وَكَذَا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ.
(قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ غَيْرُهُ) كَأَنْ يَكُونَ بَابُ بَيْتِهِ إلَى الْمَسْجِدِ دُرَرٌ أَيْ وَلَا يُمْكِنُهُ تَحْوِيلُهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى السُّكْنَى فِي غَيْرِهِ بَحْرٌ.