تَيَمَّمَ نَدْبًا، وَإِنْ مَكَثَ لِخَوْفٍ فَوُجُوبًا، وَلَا يُصَلِّي وَلَا يَقْرَأُ.
(وَ) يَحْرُمُ بِهِ (تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ) وَلَوْ دُونَ آيَةٍ عَلَى الْمُخْتَارِ (بِقَصْدِهِ) فَلَوْ قَصَدَ الدُّعَاءَ أَوْ الثَّنَاءَ أَوْ افْتِتَاحَ أَمْرٍ أَوْ التَّعْلِيمِ وَلَقَّنَ كَلِمَةً كَلِمَةً
ــ
رد المحتار
قُلْت: يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمَارُّ، وَمِنْ صُوَرِهِ مَا فِي الْعِنَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: مُسَافِرٌ مَرَّ بِمَسْجِدٍ فِيهِ عَيْنُ مَاءٍ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَجِدُ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ عِنْدَنَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: تَيَمَّمَ نَدْبًا إلَخْ) أَفَادَ ذَلِكَ فِي النَّهْرِ تَوْفِيقًا بَيْنَ إطْلَاقِ مَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ وَمَا يُفِيدُ النَّدْبَ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي الْخُرُوجِ، وَأَمَّا فِي الدُّخُولِ فَيَجِبُ كَمَا يُفِيدُهُ مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْعِنَايَةِ، وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا فِي دُرَرِ الْبِحَارِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا نُجِيزُ الْعُبُورَ فِي الْمَسْجِدِ بِلَا تَيَمُّمٍ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ مَا يُؤَيِّدُهُ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ فِي الْمَسْجِدِ، قِيلَ لَا يُبَاحُ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ غَيْرِ تَيَمُّمٍ اعْتِبَارًا بِالدُّخُولِ، وَقِيلَ يُبَاحُ. اهـ. فَجَعَلَ الْخِلَافَ فِي الْخُرُوجِ دُونَ الدُّخُولِ، وَالْوَجْهُ فِيهِ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى عَلَى الْمَاهِرِ، وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ وُجُوبُهُ عَلَى مَنْ كَانَ بَابُهُ إلَى الْمَسْجِدِ وَأَرَادَ الْمُرُورَ، فِيهِ تَأَمُّلٌ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُصَلِّي وَلَا يَقْرَأُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِهِ عِبَادَةً مَقْصُودَةً، وَهَذَا دَفْعٌ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْحِلْيَةِ. تَتِمَّةٌ
ذَكَرَ فِي الدُّرَرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ يُكْرَهُ دُخُولُ الْمُحْدِثِ مَسْجِدًا مِنْ الْمَسْجِدِ وَطَوَافُهُ بِالْكَعْبَةِ. اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَلَا يَدْخُلُهُ مَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْخِزَانَةِ: وَإِذَا فَسَا فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ بِهِ بَأْسًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ يَخْرُجُ مِنْهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ.
(قَوْلُهُ: تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ كَمَا يَأْتِي، وَفِي حُكْمِهِ مَنْسُوخُ التِّلَاوَةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ دُونَ آيَةٍ) أَيْ مِنْ الْمُرَكَّبَاتِ لَا الْمُفْرَدَاتِ؛ لِأَنَّهُ جَوَّزَ لِلْحَائِضٍ الْمُعَلِّمَةِ تَعْلِيمَهُ كَلِمَةً كَلِمَةً يَعْقُوبُ بَاشَا.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْمُخْتَارِ) أَيْ مِنْ قَوْلَيْنِ مُصَحَّحَيْنِ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مَا دُونَ آيَةٍ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْهُمَامِ بِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ قَارِئًا بِمَا دُونَ آيَةٍ فِي حَقِّ جَوَازِ الصَّلَاةِ فَكَذَا هُنَا وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْحِلْيَةِ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ لَمْ تَفْصِلْ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالتَّعْلِيلُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ مَرْدُودٌ. اهـ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، وَالثَّانِي قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ. أَقُولُ: وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ طَوِيلَةً، فَلَوْ كَانَتْ طَوِيلَةً كَانَ بَعْضُهَا كَآيَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَعْدِلُ ثَلَاثَ آيَاتٍ ذَكَرَهُ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ قَصَدَ الدُّعَاءَ) قَالَ فِي الْعُيُونِ لِأَبِي اللَّيْثِ: قَرَأَ الْفَاتِحَةَ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الدُّعَاءِ وَلَمْ يُرِدْ الْقِرَاءَةَ لَا بَأْسَ بِهِ. وَفِي الْغَايَةِ: أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَاخْتَارَهُ الْحَلْوَانِيُّ، لَكِنْ قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ: لَا أُفْتِي بِهِ وَإِنْ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْحِلْيَةِ فِي نَحْوِ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ قُرْآنًا لَفْظًا وَمَعْنًى مُعْجِزًا مُتَحَدًّى بِهِ، بِخِلَافِ نَحْوِ - الْحَمْدُ لِلَّهِ - وَنَازَعَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ كَوْنَهُ قُرْآنًا فِي الْأَصْلِ لَا يَمْنَعُ مِنْ إخْرَاجِهِ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ بِالْقَصْدِ، نَعَمْ ظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِالْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الدُّعَاءِ يُفْهَمُ أَنَّ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَسُورَةِ أَبِي لَهَبٍ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا قَصْدُ غَيْرِ الْقُرْآنِيَّةِ، لَكِنْ لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ. اهـ. مَطْلَبُ يُطْلَقُ الدُّعَاءُ عَلَى مَا يَشْمَلُ الثَّنَاءَ أَقُولُ: وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَفَاهِيمَ الْكُتُبِ حُجَّةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالدُّعَاءِ مَا يَشْمَلُ الثَّنَاءَ؛ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ نِصْفُهَا ثَنَاءٌ وَنِصْفُهَا الْآخَرُ دُعَاءٌ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَوْ الثَّنَاءَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ.
(قَوْلُهُ: أَوْ افْتِتَاحَ أَمْرٍ) كَقَوْلِهِ بِسْمِ اللَّهِ لِافْتِتَاحِ الْعَمَلِ تَبَرُّكًا بَدَائِعُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ التَّعْلِيمَ) فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ بِأَنَّ الْحَائِضَ مُضْطَرَّةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى رَفْعِ حَدَثِهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ نُوحٌ.
(قَوْلُهُ: وَلَقَّنَ كَلِمَةً كَلِمَةً) هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُنْيَةِ