أَيْ وَقَعَ فِيهِ نَجِسٌ لَمْ يُرَ أَثَرُهُ وَلَوْ فِي مَوْضِعِ وُقُوعِ الْمَرْئِيَّةِ، بِهِ يُفْتَى بَحْرٌ.
(وَالْمُعْتَبَرُ) فِي مِقْدَارِ الرَّاكِدِ (أَكْبَرُ رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ فِيهِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ خُلُوصٍ) أَيْ وُصُولِ (النَّجَاسَةِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ جَازَ وَإِلَّا لَا) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ مُحَمَّدٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا
ــ
رد المحتار
السُّكُونُ وَالثَّبَاتُ قَامُوسٌ.
(قَوْلُهُ: أَيْ وَقَعَ نَجِسٌ إلَخْ) شَمِلَ مَا لَوْ كَانَ النَّجِسُ غَالِبًا؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: الْمَاءُ النَّجِسُ إذَا دَخَلَ الْحَوْضَ الْكَبِيرَ لَا يَنْجُسُ الْحَوْضُ وَإِنْ كَانَ النَّجِسُ غَالِبًا عَلَى مَاءِ الْحَوْضِ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا اتَّصَلَ الْمَاءُ بِالْحَوْضِ صَارَ مَاءُ الْحَوْضِ غَالِبًا عَلَيْهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يُرَ أَثَرُهُ) أَيْ مِنْ طَعْمٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ، وَهَذَا الْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ فَلَا تَغْفُلُ عَنْهُ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْأَثَرِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ نَفْسِهَا دُونَ مَا خَالَطَهَا كَخَلٍّ وَنَحْوِهِ.
(قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) أَيْ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَعَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ النِّصَابِ، وَأَرَادَ بِشَرْحِ الْمُنْيَةِ الْحِلْيَةَ لِابْنِ أَمِيرٍ الْحَاجِّ، وَقَدْ ذَكَرَ عِبَارَةَ النِّصَابِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي لَا هُنَا. عَلَى أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ فِي الْمَرْئِيَّةِ يَنْجُسُ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ بِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا، فَقِيلَ كَذَلِكَ: وَقِيلَ لَا. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَكَذَا الْبَدَائِعُ، لَكِنْ عَبَّرَ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَدَلَ الْإِجْمَاعِ قَالَ: وَمَعْنَاهُ أَنْ يَتْرُكَ مِنْ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ قَدْرَ الْحَوْضِ الصَّغِيرِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ اهـ: وَقَدَّرَهُ فِي الْكِفَايَةِ بِأَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ فِي مِثْلِهَا. وَقِيلَ يَتَحَرَّى، فَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَمْ تَخْلُصْ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ تَوَضَّأَ مِنْهُ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: قُلْت هُوَ الْأَصَحُّ اهـ وَكَذَا جَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ بِتَنَجُّسِ مَوْضِعِ الْمَرْئِيَّةِ بِلَا نَقْلِ خِلَافٍ، ثُمَّ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ، وَصَحَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ أَوَّلَهُمَا، وَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا ثَانِيَهُمَا نَعَمْ. قَالَ فِي الْخَزَائِنِ: وَالْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ التَّنَجُّسِ مُطْلَقًا إلَّا بِالتَّغَيُّرِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِهَا لِعُمُومِ الْبَلْوَى، حَتَّى قَالُوا: يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ قَبْلَ التَّحَرُّكِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُجْتَبَى. اهـ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَالْجَارِي لَا يَتَنَجَّسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي تَصْحِيحُهُ، فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ إنَّمَا يَقْتَضِي عِنْدَ الْكَثْرَةِ عَدَمَ التَّنَجُّسِ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ. اهـ. فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ حَيْثُ جَعَلَهُ كَالْجَارِي، وَقَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي الْجَارِي ظُهُورُ الْأَثَرِ مُطْلَقًا، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ الْمُتُونِ وَكَذَا قَالَ فِي الْكَنْزِ هُنَا، وَهُوَ كَالْجَارِي، وَمِثْلُهُ فِي الْمُلْتَقَى. وَظَاهِرُهُ اخْتِيَارُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ فَلِذَا اخْتَارَهَا فِي الْفَتْحِ وَاسْتَحْسَنَهَا فِي الْحِلْيَةِ لِمُوَافَقَتِهَا لِمَا مَرَّ عَنْهُ فِي الْجَارِي. قَالَ: وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ «جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: انْتَهَيْت إلَى غَدِيرٍ فَإِذَا فِيهِ حِمَارٌ مَيِّتٌ فَكَفَفْنَا عَنْهُ حَتَّى انْتَهَى إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ فَاسْتَقَيْنَا وَأَرْوَيْنَا وَحَمَلْنَا» " اهـ وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى نَقْلِ الْإِجْمَاعِ السَّابِقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ: فِي مِقْدَارِ الرَّاكِدِ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيهِ الْمُتَعَلِّقُ بِالْمُعْتَبَرِ، فَالْأَوْلَى ذِكْرُهُ بَعْدَهُ تَفْسِيرًا لِمَرْجِعِ الضَّمِيرِ.
(قَوْلُهُ: أَكْبَرُ رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ) أَيْ غَلَبَةُ ظَنِّهِ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْيَقِينِ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ أَكْبَرُ لِيَظْهَرَ التَّفْصِيلُ بَعْدَهُ ط.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) صَادِقٌ بِمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْخُلُوصُ أَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرَانِ لَكِنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ مُرَادٍ، لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِذَا اشْتَبَهَ الْخُلُوصُ فَهُوَ كَمَا إذَا لَمْ يَخْلُصْ اهـ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَيْهِ رَجَعَ مُحَمَّدٌ) أَيْ بَعْدَمَا قَالَ بِتَقْدِيرِهِ بِعَشْرٍ فِي عَشْرٍ، ثُمَّ قَالَ: لَا أُوَقِّتُ شَيْئًا كَمَا نَقَلَهُ الْأَئِمَّةُ الثِّقَاتُ عَنْهُ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ) زَادَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِأَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَعْنِي عَدَمَ التَّحَكُّمِ بِتَقْدِيرٍ فِيمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ، وَالتَّفْوِيضُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى، بِنَاءً عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ ثُبُوتِ تَقْدِيرِهِ شَرْعًا. اهـ. وَأَمَّا تَقْدِيرُهُ بِالْقُلَّتَيْنِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَحَدِيثُهُ غَيْرُ ثَابِتٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَضَعَّفَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ