(وَلَا تَكُونُ) اللِّوَاطَةُ (فِي الْجَنَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ تَعَالَى اسْتَقْبَحَهَا وَسَمَّاهَا خَبِيثَةً، وَالْجَنَّةُ مُنَزَّهَةٌ عَنْهَا فَتْحٌ.
وَفِي الِاشْتِبَاهِ: حُرْمَتُهَا عَقْلِيَّةٌ فَلَا وُجُودَ لَهَا فِي الْجَنَّةِ. وَقِيلَ سَمْعِيَّةٌ فَتُوجَدُ. وَقِيلَ يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى طَائِفَةً نِصْفُهُمْ الْأَعْلَى كَالذُّكُورِ وَالْأَسْفَلِ كَالْإِنَاثِ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَفِي الْبَحْرِ حُرْمَتُهَا أَشَدُّ مِنْ الزِّنَا لِحُرْمَتِهَا عَقْلًا وَشَرْعًا وَطَبْعًا، وَالزِّنَا لَيْسَ بِحَرَامٍ طَبْعًا، وَتَزُولُ حُرْمَتُهُ بِتَزَوُّجٍ وَشِرَاءٍ بِخِلَافِهَا، وَعَدَمُ الْحَدِّ عِنْدَهُ لَا لِخِفَّتِهَا بَلْ لِلتَّغْلِيظِ لِأَنَّهُ مُطَهِّرٌ عَلَى قَوْلٍ. وَفِي الْمُجْتَبَى: يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ
(أَوْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ) إلَّا إذَا زَنَى فِي عَسْكَرٍ لِأَمِيرِهِ وِلَايَةُ الْإِقَامَةِ هِدَايَةٌ.
ــ
رد المحتار
مَطْلَبٌ لَا تَكُونُ اللِّوَاطَةُ فِي الْجَنَّةِ (قَوْلُهُ وَلَا تَكُونُ اللِّوَاطَةُ فِي الْجَنَّةِ) قَالَ السُّيُوطِيّ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ الْحَنْبَلِيُّ: جَرَتْ مَسْأَلَةٌ بَيْنَ أَبِي عَلِيِّ بْنِ الْوَلِيدِ الْمُعْتَزِلِيِّ وَبَيْنَ أَبِي يُوسُفَ الْقَزْوِينِيِّ فِي ذَلِكَ.
فَقَالَ ابْنُ الْوَلِيدِ: لَا يُمْنَعُ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ اللَّذَّاتِ فِي الْجَنَّةِ لِزَوَالِ الْمَفْسَدَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ فِي الدُّنْيَا لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النَّسْلِ وَكَوْنِهِ مَحِلًّا لِلْأَذَى وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ ذَلِكَ، وَلِهَذَا أُبِيحَ شُرْبُ الْخَمْرِ لِمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ السُّكْرِ وَغَايَةِ الْعَرْبَدَةِ وَزَوَالِ الْعَقْلِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ الِالْتِذَاذِ بِهَا.
فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْمَيْلُ إلَى الذُّكُورِ عَاهَةٌ، وَهُوَ قَبِيحٌ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحِلٌّ لَمْ يُخْلَقْ لِلْوَطْءِ، وَلِهَذَا لَمْ يُبَحْ فِي شَرِيعَةٍ، بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَهُوَ مَخْرَجُ الْحَدَثِ وَالْجَنَّةُ نُزِّهَتْ عَنْ الْعَاهَاتِ. فَقَالَ ابْنُ الْوَلِيدِ: الْعَاهَةُ هِيَ التَّلْوِيثُ بِالْأَذَى، فَإِذَنْ لَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ الِالْتِذَاذِ اهـ كَلَامُهُ رَمْلِيٌّ عَلَى الْمِنَحِ (قَوْلُهُ حُرْمَتُهَا عَقْلِيَّةٌ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُرْمَةِ هُنَا الْقُبْحُ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ أَيْ قُبْحُهَا عَقْلِيٌّ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ كَالظُّلْمِ وَالْكُفْرِ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِالْعَقْلِ شَيْءٌ أَيْ لَا يَكُونُ الْعَقْلُ حَاكِمًا بِحُرْمَتِهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى بَلْ الْعَقْلُ مُدْرِكٌ لِحُسْنِ بَعْضِ الْمَأْمُورَاتِ وَقُبْحِ بَعْضِ الْمَنْهِيَّاتِ فَيَأْتِي الشَّرْعُ حَاكِمًا بِوَفْقِ ذَلِكَ فَيَأْمُرُ بِالْحُسْنِ وَيَنْهَى عَنْ الْقَبِيحِ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ يَجِبُ مَا حَسُنَ عَقْلًا وَيَحْرُمُ مَا قَبُحَ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِوُجُوبِهِ بِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ فَالْعَقْلُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْمُثْبِتُ وَعِنْدَنَا الْمُثْبِتُ هُوَ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ آلَةٌ لِإِدْرَاكِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ قَبْلَ الشَّرْعِ: وَعِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ لَا حَظَّ لِلْعَقْلِ قَبْلَ الشَّرْعِ بَلْ الْعَقْلُ تَابِعٌ لِلشَّرْعِ، فَمَا أَمَرَ بِهِ الشَّرْعُ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ أَنَّهُ حَسَنٌ، وَمَا نَهَى عَنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ قَبِيحٌ، وَتَمَامُ أَبْحَاثِ الْمَسْأَلَةِ يُعْلَمُ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ ومِنْ حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ سَمْعِيَّةٌ) أَيْ لَا يَسْتَقِلُّ الْعَقْلُ بِإِدْرَاكِ قُبْحِهَا قَبْلَ وُرُودِ الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ (قَوْلُهُ فَتُوجَدُ) أَيْ يُمْكِنُ أَنْ تُوجَدَ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى إلَخْ) هَذَا خَارِجٌ عَنْ مَحِلِّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِتْيَانِ فِي الدُّبُرِ (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ) هُوَ أَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْجَنَّةِ (قَوْلُهُ لِحُرْمَتِهَا) أَيْ قُبْحِهَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَتَزُولُ حُرْمَتُهُ إلَخْ) وَجْهٌ آخَرُ لِبَيَانِ أَشَدِّيَّةِ اللِّوَاطَةُ، وَهُوَ أَنَّ وَطْءَ الذَّكَرِ لَا يُمْكِنُ زَوَالُ حُرْمَتِهِ بِخِلَافِ وَطْءِ الْأُنْثَى فَإِنَّهُ يُمْكِنُ بِتَزَوُّجِهَا أَوْ شِرَائِهَا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُطَهِّرٌ عَلَى قَوْلٍ) أَيْ قَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ مَذْهَبِنَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ يُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهَا) قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْحَيْضِ الْخِلَافَ فِي كُفْرِ مُسْتَحِلِّ وَطْءِ الْحَائِضِ وَوَطْءِ الدُّبُرِ، ثُمَّ وُفِّقَ بِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ السِّرَاجِيَّةِ: اللِّوَاطَةُ بِمَمْلُوكِهِ أَوْ مَمْلُوكَتِهِ أَوْ امْرَأَتِهِ حَرَامٌ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ اسْتَحَلَّهُ لَا يَكْفُرُ قَالَهُ حُسَامُ الدِّينِ اهـ أَيْ فَيُحْمَلُ الْقَوْلُ بِكُفْرِهِ عَلَى مَا إذَا اسْتَحَلَّ اللِّوَاطَةُ بِأَجْنَبِيٍّ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَنَّ هَذَا يُعْلَمُ وَلَا يُعَلَّمُ أَيْ لِئَلَّا يَتَجَرَّأَ الْفَسَقَةُ عَلَيْهِ بِظَنِّهِمْ حِلَّهُ.
تَتِمَّةٌ لِلِّوَاطَةِ أَحْكَامٌ أُخَرُ: لَا يَجِبُ بِهَا الْمَهْرُ وَلَا الْعِدَّةُ يَحْصُلُ بِهَا التَّحْلِيلُ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ،.
وَلَا تَثْبُتُ بِهَا الرَّجْعَةُ وَلَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَلَا الْكَفَّارَةُ فِي رَمَضَانَ فِي رِوَايَةٍ.
وَلَوْ قَذَفَ بِهَا لَا يُحَدُّ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَا يُلَاعِنُ خِلَافًا لَهُمَا بَحْرٌ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُجْتَبَى. وَيُزَادُ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ السِّرَاجِ: يَكْفِي فِي الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا عَدْلَانِ لَا أَرْبَعَةٌ خِلَافًا لَهُمَا
(قَوْلُهُ إلَّا إذَا زَنَى إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ خَاصٌّ