ذَلِكَ مِنْهُ الْأَجْنَبِيُّ وَهَلَكَا ... وَكَانَ ذَا بِغَيْرِ إذْنِ الشُّرَكَا
فَإِنْ يَشَاءُوا ضَمَّنُوا الشَّرِيكَ أَوْ ... مَنْ اشْتَرَى مِنْهُ عَلَى مَا قَدْ رَوَوْا
وَإِنْ يَكُنْ كُلُّ شَرِيكٍ آجِرًا ... حِصَّةَ حَمَّامٍ لَهُ مِنْ آخَرَا
وَكَانَ شَخْصٌ مِنْهُمَا قَدْ أَذِنَا ... لِذَاكَ فِي تَعْمِيرِهَا وَبِالْبِنَا
فَلَا رُجُوعَ صَاحٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ ... فِي ذَا الْبِنَا عَلَى الشَّرِيكِ الْآخَرِ
ــ
رد المحتار
تَقَدَّمَتْ مَتْنًا أَوَّلَ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَكُلُّ أَجْنَبِيٍّ فِي مَالِ صَاحِبِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهَلَكَا) أَيْ الْفَرَسُ وَالْأَلِفُ فِيهِ لِلْإِطْلَاقِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ هَلَكَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ: وَكَانَ ذَا) أَيْ الْبَيْعُ الْمَقْرُونُ بِالتَّسْلِيمِ إذْ الْبَيْعُ وَحْدَهُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْغَصْبِ بِهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ: بِعْت الْوَدِيعَةَ وَقَبَضْت ثَمَنَهَا لَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يَقُلْ دَفَعْتهَا إلَى الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ فَإِنْ يَشَاءُوا إلَخْ) أَيْ الشُّرَكَاءُ.
وَفِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَالْمِنَحِ: لَهُمَا دَابَّةٌ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَهَلَكَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَالشَّرِيكُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَضْمَنَ شَرِيكَهُ أَوْ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ ضَمِنَ الشَّرِيكَ جَازَ بَيْعُهُ فَنِصْفُ الثَّمَنِ لَهُ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ وَالْبَائِعُ لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى أَحَدٍ كَمَا هُوَ حُكْمُ الْغَاصِبِ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَبْنَى الضَّمَانِ هُوَ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُشْتَرِي بِدُونِ إذْنِ الشُّرَكَاءِ لَا مُجَرَّدُ الْبَيْعِ كَمَا قُلْنَا فَافْهَمْ.
وَوَجْهُ الْخِيَارِ هُوَ أَنَّ الْبَائِعَ كَالْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ يَكُنْ كُلُّ شَرِيكٍ آجَرَ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ سُئِلَ عَنْهَا الْإِمَامُ الْفَضْلِيُّ وَأَجَابَ فِيهَا بِعَدَمِ الرُّجُوعِ.
ثُمَّ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ يَقُومُ مَقَامَ مُؤَجِّرِهِ فِيمَا أَنْفَقَ فَيَرْجِعُ عَلَى مُؤَجِّرِهِ وَهُوَ أَيْ مُؤَجِّرُهُ عَلَى شَرِيكِهِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: الْمُسْتَأْجِرُ إنَّمَا رَجَعَ عَلَى مُؤَجِّرِهِ بِالْأَمْرِ وَأَمْرُهُ إنَّمَا يَجُوزُ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ، فَالْمُسْتَأْجِرُ مُتَبَرِّعٌ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ. اهـ.
وَنَاقَشَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِقَوْلِهِ: أَقُولُ: لَوْ رَمَّ الْمُؤَجِّرُ بِنَفْسِهِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى شَرِيكِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى مُؤَجِّرِهِ وَهُوَ عَلَى شَرِيكِهِ لِصِحَّةِ الْأَمْرِ إذَا أَمَرَ فِيمَا لَهُ فِعْلُهُ فَكَأَنَّهُ رَمَّ بِنَفْسِهِ، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ وَأَمْرُهُ إنَّمَا يَجُوزُ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ إذَا رَمَّ بِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ أَمْرُهُ عَلَى حَقِّ شَرِيكِهِ فَلَا رُجُوعَ، فَلَا يُفِيدُ قَوْلُهُ يَقُومُ مَقَامَ مُؤَجِّرِهِ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ أَحَدَ الِاحْتِمَالَيْنِ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلَانِ فِي رُجُوعِ الْمُؤَجِّرِ لَوْ رَمَّ بِنَفْسِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِمَّا تَقَدَّمَ؛ وَلَوْ رَمَّهُ الْمُؤَجِّرُ بِنَفْسِهِ يَتَأَتَّى فِيهِ مَا مَرَّ مِنْ تَفْصِيلِ الْمُطَالَبَةِ وَتَرْكِهَا وَالْحُضُورِ وَالْغَيْبَةِ وَأَمْرِ الْقَاضِي وَعَدَمِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رُجُوعُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ. اهـ. قُلْت: وَهُوَ كَلَامٌ وَجِيهٌ، لَكِنْ تَقَدَّمَ عَنْ فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ أَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ فِي مَرَمَّةِ الطَّاحُونِ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْآبِيَ لَا يُجْبَرُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ كَمَا قَدَّمْنَا تَحْرِيرَهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ الْفَضْلِيِّ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي فَتَاوَاهُ فَيَرْجِعُ لَوْ رَمَّ بِنَفْسِهِ أَوْ رَمَّ مَأْمُورُهُ وَهُوَ الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِمَا يَمْلِكُ فِعْلَهُ فَيَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ، أَمَّا عَدَمُ رُجُوعِ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى شَرِيكِ الْمُؤَجِّرِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ.
وَقَدْ كَتَبَ الشَّارِحُ هُنَا عَلَى الْهَامِشِ عِنْدَ قَوْلِهِ فَلَا رُجُوعَ صُلْحٍ لِلْمُسْتَأْجِرِ إلَخْ مَا نَصُّهُ: قُلْت: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْآذِنِ. بَقِيَ بِمَ يَرْجِعُ بِكُلِّهِ أَوْ بِحِصَّتِهِ فَلْيُرَاجَعْ اهـ. قُلْت: صَرِيحُ عِبَارَةِ الْفَضْلِيِّ الْمَارَّةِ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْآذِنِ وَهُوَ الْمُؤَجِّرُ، وَأَنَّهُ يُرْجَعُ بِالْكُلِّ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ وَبِحِصَّةِ الْمُؤَجِّرِ فَقَطْ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مُتَبَرِّعًا فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ، وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ يَثْبُتُ لِلشَّرِيكِ الرُّجُوعُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَأْمُورَهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْكُلِّ، أَمَّا عَلَى مُقْتَضَى الضَّابِطِ الْمَارِّ فَلَا رُجُوعَ لِلشَّرِيكِ وَيَرْجِعُ.