لَوْ وَاحِدٌ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ سَكَنْ ... فِي الدَّارِ مُدَّةً مَضَتْ مِنْ الزَّمَنْ
فَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُطَالِبَهْ ... بِأُجْرَةِ السُّكْنَى وَلَا الْمُطَالَبَهْ
بِأَنَّهُ يَسْكُنُ مِنْ الْأَوَّلِ ... لَكِنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ
يَطْلُبُ أَنْ يُهَايِئَ الشَّرِيكَا ... يُجَابُ فَافْهَمْ وَدَعِ التَّشْكِيكَا
كِتَابُ الْوَقْفِ مُنَاسَبَتُهُ لِلشَّرِكَةِ إدْخَالُ غَيْرِهِ مَعَهُ فِي مَالِهِ، غَيْرَ أَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِيهَا لَا فِيهِ. (هُوَ) لُغَةً الْحَبْسُ. وَشَرْعًا (حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى) حُكْمِ (مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ) وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ،
ــ
رد المحتار
الْمَأْمُورُ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ فَقَطْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: لَوْ وَاحِدٌ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ سَكَنَ إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوَّلَ الْبَابِ قُبَيْلَ شَرِكَةِ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: بِأُجْرَةِ السُّكْنَى) أَيْ وَلَوْ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ؛ لِأَنَّهُ سَكَنَ بِتَأْوِيلِ مِلْكٍ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ وَقْفًا أَوْ مَالَ يَتِيمٍ يَلْزَمُهُ أَجْرُ شَرِيكِهِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْغَصْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ إلَخْ) هَذَا فِي غَيْرِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا تَجْرِي فِيهِ الْقِسْمَةُ وَلَا الْمُهَايَأَةُ كَمَا يَأْتِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
كِتَابُ الْوَقْفِ
ِ هُوَ مَصْدَرُ وَقَفْت أَقِفُ: حَبَسَ، وَمِنْهُ الْمَوْقِفُ لِحَبْسٍ النَّاسِ فِيهِ لِلْحِسَابِ، وَأَوْقَفْت لُغَةٌ رَدِيئَةٌ حَتَّى ادَّعَى الْمَازِنِيُّ أَنَّهَا لَمْ تُعْرَفْ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ أَوْقَفْت إلَّا حَرْفًا وَاحِدًا، أَوْقَفْت عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي كُنْت عَلَيْهِ، ثُمَّ اشْتَهَرَ فِي الْمَوْقُوفِ فَقِيلَ هَذِهِ الدَّارُ وَقْفٌ وَلِذَا جُمِعَ عَلَى أَوْقَافٍ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَمْ يَحْبِسْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِيمَا عَلِمْت وَإِنَّمَا حَبَسَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ. وَفِي وَقْفِ الْمُنْيَةِ: الرِّبَاطُ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ إدْخَالُ غَيْرِهِ مَعَهُ فِي مَالِهِ) هَذَا فِي الشَّرِكَةِ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا فِي الْوَقْفِ فَلَا يَتِمُّ إلَّا إذَا وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ. وَمَا فِي النَّهْرِ أَوْضَحُ، حَيْثُ قَالَ: مُنَاسَبَتُهُ بِالشَّرِكَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْتِفَاعُ بِمَا يَزِيدُ عَلَى أَصْلِ الْمَالِ إلَّا أَنَّهُ فِي الشَّرِكَةِ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ. وَفِي الْوَقْفِ يَخْرُجُ عَنْهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ) قَدْرُ لَفْظِ حُكْمٍ تَبَعًا لِلْإِسْعَافِ والشُّرُنبُلالِيَّة لِيَكُونَ تَعْرِيفًا لِلْوَقْفِ اللَّازِمِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. أَمَّا غَيْرُ اللَّازِمِ فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ حَقِيقَةً عِنْدَهُ، وَلِذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَشَرْعًا عِنْدَهُ حَبْسُ الْعَيْنِ وَمَنْعُ الرَّقَبَةِ الْمَمْلُوكَةِ بِالْقَوْلِ عَنْ تَصَرُّفِ الْغَيْرِ حَالَ كَوْنِهَا مُقْتَصِرَةً عَلَى مِلْكِ الْوَقْفِ، فَالرَّقَبَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ فِي حَيَاتِهِ وَمُلْكٌ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِحَيْثُ يُبَاعُ وَيُوهَبُ. ثُمَّ قَالَ: وَيُشْكِلُ بِالْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ حَبْسٌ عَلَى مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِجْمَاعِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلْوَقْفِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ عَرَّفَ الْوَقْفَ الْمُخْتَلَفَ وَالشَّارِحُ قَدَّرَ الْحُكْمَ اخْتِيَارًا لِلَازِمِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَلِكُلٍّ جِهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا لَكِنَّ جِهَةَ الشَّارِحِ أَرْجَحُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ وَذَلِكَ لَا يُنَاسِبُ تَعْرِيفَ غَيْرِ اللَّازِمِ إذْ لَا حَبْسَ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْ بَيْعِهِ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ اللَّازِمِ فَإِنَّهُ مَحْبُوسٌ حَقِيقَةً، وَكَثِيرًا مَا تَخْفَى رُمُوزُ هَذَا الشَّرْحِ الْفَاضِلِ عَلَى النَّاظِرِينَ خُصُوصًا مَنْ هُوَ مُولَعٌ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ لَوْ وَقَفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَحْدَهُمْ لَمْ يَجُزْ
(قَوْلُهُ وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ) فَيَدْخُلُ فِيهِ الْوَقْفُ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ،