وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِهَا لَا يَنْفُذُ، ذَكَرَهُ يَعْقُوبُ بَاشَّا (فَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ أَهْلَهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ قَالَ وَبِهِ أَفْتَى مُفْتِي مِصْرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَمِينُ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ الْعَالِ قَالَ وَكَذَا سِجِلُّ الْعَدُوِّ لَا يُقْبَلُ عَلَى عَدُوِّهِ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ نَقْلَهَا عِنْدَنَا وَيَنْبَغِي النَّفَاذُ لَوْ الْقَاضِي عَدْلًا وَقَالَ ابْنُ وَهْبَانَ بَحْثًا إنْ بِعِلْمِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ بِمَحْضَرٍ مِنْ النَّاسِ جَازَ اهـ.
قُلْت: وَاعْتَمَدَهُ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ فِي مَنْظُومَتِهِ فَقَالَ:
وَلَوْ عَلَى عَدُوِّهِ قَاضٍ حَكَمْ ... إنْ كَانَ عَدْلًا صَحَّ ذَاكَ وَانْبَرَمْ
وَاخْتَارَ بَعْضُ الْعُلَمَا وَفَصَّلَا ... وَإِنْ كَانَ بِالْعِلْمِ قَضَى لَنْ يُقْبَلَا
وَإِنْ يَكُنْ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمَلَا ... وَبِشَهَادَةِ الْعُدُولِ قُبِلَا
قُلْت: لَكِنْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ وَالْعَيْنِيِّ وَالزَّيْلَعِيِّ وَالْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِمْ عِنْدَ مَسْأَلَةِ التَّقْلِيدِ مِنْ الْجَائِرِ عَنْ النَّاصِحِيِّ فِي تَهْذِيبِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ أَنَّ مَنْ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ وَمَنْ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ
ــ
رد المحتار
شَهَادَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ، وَإِنْ كَانَ عَدُوَّهُ مِنْ حَيْثُ الدِّيَانَةُ وَكَذَا شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِهَا لَا يَنْفُذُ) دَفَعَ بِهِ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا مِثْلُ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ قَبُولُهَا، وَإِنْ أَثِمَ الْقَاضِي فَشَهَادَةُ الْعَدُوِّ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ كَمَا لَوْ قَبِلَ شَهَادَةَ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ.
(قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ يَعْقُوبُ بَاشَا) أَيْ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَقَالَ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَالْمَسْأَلَةُ دَوَّارَةٌ فِي الْكُتُبِ. مَطْلَبٌ فِي قَضَاءِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ) أَيْ إذَا كَانَتْ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ قَضَى بِهَا الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى عَلَى عَدُوِّهِ لَا يَصِحُّ لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ وَبِهِ سَقَطَ مَا قِيلَ إنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْيَعْقُوبِيَّةِ مُكَرَّرٌ مَعَ هَذَا فَافْهَمْ. تَنْبِيهٌ
إذَا لَمْ يَصِحُّ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ فَالْمُخَلِّصُ إنَابَةُ غَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ مَأْذُونًا بِالِاسْتِنَابَةِ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَسْتَنِيبُ إذَا وَقَعَتْ لَهُ أَوْ لِوَلَدِهِ حَادِثَةٌ.
(قَوْلُهُ: قَالَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ وَنَصُّهُ وَرَأَيْت بِمَوْضِعِ ثِقَةٍ مَعْزُوًّا إلَى بَعْضِ الْفَتَاوَى، وَأَظُنُّ أَنَّهَا الْفَتَاوَى الْكُبْرَى لِلْخَاصِّيِّ أَنَّ سِجِلَّ الْعَدُوِّ لَا يُقْبَلُ عَلَى عَدُوِّهِ كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ اهـ فَافْهَمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسِّجِلِّ كَمَا قَالَ ط كِتَابُ الْقَاضِي إلَى قَاضٍ فِي حَادِثَةٍ عَلَى عَدُوٍّ لِلْقَاضِي، وَهُوَ مَا يَأْتِي عَنْ النَّاصِحِيِّ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ نَقَلَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ.
(قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَمْ يَرَ نَقْلَهَا) أَيْ نَقْلَ مَسْأَلَةِ قَضَاءِ الْقَاضِي عَلَى عَدُوِّهِ وَهَذَا الْكَلَامُ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ ابْنِ وَهْبَانَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لَمْ يَرَ نَقْلَهَا مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ.
(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي النَّفَاذُ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بِعِلْمِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ وَهَذَا الْبَحْثُ لِشَارِحِ الْوَهْبَانِيَّةِ خَالَفَ فِيهِ بَحْثَ ابْنِ وَهْبَانَ الْآتِي وَذَكَرَهُ عَقِبَهُ بِقَوْلِهِ: قُلْت: بَلْ يَنْبَغِي النَّفَاذُ مُطْلَقًا لَوْ الْقَاضِي عَدْلًا.
(قَوْلُهُ: إنْ بِعِلْمِهِ لَمْ يَجُزْ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ وَعَلَيْهِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ كَلَامَيْ ابْنِ الشِّحْنَةِ وَابْنِ وَهْبَانَ فَإِنَّ مُؤَدَّى كَلَامَيْهَا نُفُوذُ حُكْمِهِ لَوْ عَدْلًا بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ.
(قَوْلُهُ: وَاعْتَمَدَهُ إلَخْ) الْمُتَبَادَرُ مِنْ النَّظْمِ اعْتِمَادُ الْأَوَّلِ وَهُوَ بَحْثُ ابْنِ الشِّحْنَةِ فَيَتَعَيَّنُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ) هُوَ ابْنُ وَهْبَانَ.
(قَوْلُهُ: قُلْت لَكِنْ إلَخْ) أَصْلُهُ لِلْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ غَفَلَ الشَّيْخَانِ أَيْ ابْنُ وَهْبَانَ وَشَارِحُهُ عَبْدُ الْبَرِّ عَمَّا اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَيْهِ فِي كُتُبِهِمْ الْمُعْتَمَدَةِ مِنْ أَنَّ أَهْلَهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ فَمَنْ صَلُحَ لَهَا صَلُحَ لَهُ وَمَنْ لَا فَلَا وَالْعَدُوُّ لَا يَصْلُحُ لِلشَّهَادَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَلَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ اهـ ط.