لَا يُعْتَمَدُ عَلَى كِتَابِهِ اهـ، وَهُوَ صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِيمَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُعْتَمَدْ، وَبِهِ أَفْتَى مُحَقِّقُ الشَّافِعِيَّةِ الرَّمْلِيُّ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت أَنَّهُ قَضَى عَلَيْهِ ثُمَّ أَثْبَتَ أَهُوَ بَطَلَ قَضَاؤُهُ فَلْيُحْفَظْ. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ ثُمَّ إنَّمَا تَثْبُتُ الْعَدَاوَةُ بِنَحْوِ قَذْفٍ وَجَرْحٍ وَقَتْلِ وَلِيٍّ لَا بِمُخَاصَمَةٍ، نَعَمْ هِيَ تَمْنَعُ الشَّهَادَةَ فِيمَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمُخَاصَمَةُ كَشَهَادَةِ وَكِيلٍ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ
ــ
رد المحتار
قُلْت: وَلَمْ أَرَ هَذَا الْكَلَامَ فِي نُسْخَتِي فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ الِاسْتِدْرَاكُ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَتَأْيِيدُ كَلَامِ الْمَتْنِ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ فَرَّعَ عَدَمَ صِحَّةِ الْقَضَاءِ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ مَفْهُومُ الْكُلِّيَّةِ الْوَاقِعَةِ فِي عِبَارَاتِ الْمُتُونِ وَهِيَ قَوْلُهُمْ: وَأَهْلُهُ أَهْلُهَا فَإِنَّ مَفْهُومَهَا عَكْسُهَا اللُّغَوِيُّ وَهُوَ أَنَّ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لَهَا، لَا يَكُونُ أَهْلًا لَهُ، فَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَتْنِهِ وَالْعَدُوُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى عَدُوِّهِ، فَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ وَلَمَّا كَانَ هَذَا إثْبَاتًا لِلْحُكْمِ بِالْمَفْهُومِ، وَفِيهِ احْتِمَالُ نَقْلِ الشَّارِحِ أَنَّ مَفْهُومَ الْكُلِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي عِبَارَةِ النَّاصِحِيِّ، فَسَقَطَ الِاحْتِمَالُ وَانْدَفَعَ بَحْثُ الشَّيْخَيْنِ وَتَأَيَّدَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ؛ وَلِذَا قَالَ وَهُوَ صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِيمَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَكِنْ بَقِيَ هَا هُنَا تَحْقِيقُ تَوْفِيقٍ وَهُوَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ الْعَدَاوَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ لَا تَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ مَا لَمْ يَفْسُقْ بِهَا، وَأَنَّهُ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَأَنَّ مَا فِي الْمُحِيطِ وَالْوَاقِعَاتِ، مِنْ أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالرِّوَايَةُ الْمَنْصُوصَةُ تُخَالِفُهَا وَأَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُقْبَلُ إذَا كَانَ عَدْلًا وَفِي الْمَبْسُوطِ إنْ كَانَتْ دُنْيَوِيَّةً فَهَذَا يُوجِبُ فِسْقَهُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اهـ مُلَخَّصًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ مُعْتَمَدَيْنِ:
أَحَدُهُمَا عَدَمُ قَبُولِهَا عَلَى الْعَدُوِّ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَعَلَيْهِ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْعِلَّةَ الْعَدَاوَةُ لَا الْفِسْقُ، وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ عَلَى غَيْرِ الْعَدُوِّ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ قَضَاءُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ أَيْضًا.
ثَانِيهِمَا أَنَّهَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا فَسَقَ بِهَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ وَهْبَانَ وَابْنُ الشِّحْنَةِ، وَإِذَا قُبِلَتْ فَبِالضَّرُورَةِ يَصِحُّ قَضَاءُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ إذَا كَانَ عَدْلًا فَلِذَا اخْتَارَ الشَّيْخَانِ صِحَّتَهُ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَنْ يَقُولُ بِقَبُولِ شَهَادَةِ الْعَدُوِّ الْعَدْلِ يَقُولُ بِصِحَّةِ قَضَائِهِ وَمَنْ لَا فَلَا وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ النَّاصِحِيُّ لَا يُعَارِضُ كَلَامَ الشَّيْخَيْنِ لِاخْتِلَافِ الْمَنَاطِ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْقِيقَ وَدَعْ التَّلْفِيقَ.
(قَوْلُهُ: لَا يُعْتَمَدُ عَلَى كِتَابِهِ) هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِيمَا سَبَقَ بِالسِّجِلِّ ط.
(قَوْلُهُ: فِيمَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي مَتْنِهِ وَمِنْ إطْلَاقِ عَدَمِ الْقَبُولِ.
(قَوْلُهُ: وَبِهِ أَفْتَى مُحَقِّقُ الشَّافِعِيَّةِ الرَّمْلِيُّ) هَذَا غَيْرُ مَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الرَّافِعِيِّ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ مِنْ جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْعَدُوِّ، لَا الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ لِظُهُورِ أَسْبَابِ الْحُكْمِ وَخَفَاءِ أَسْبَابِ الشَّهَادَةِ اهـ، وَهُوَ وَجِيهٌ وَلِذَا قَيَّدَ ابْنُ وَهْبَانَ صِحَّةَ الْقَضَاءِ بِمَا إذَا كَانَ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ بِمَحْضَرٍ مِنْ النَّاسِ كَمَا مَرَّ لِتَنْتَفِيَ التُّهْمَةُ بِمُعَايَنَةِ أَسْبَابِ الْحُكْمِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ الْحُكْمُ عِنْدَنَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْعَدُوِّ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت) الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ نَقَلْت، وَقَوْلُهُ إنَّهُ لَوْ قَضَى إلَخْ مَفْعُولُ نَقَلْت أَوْ بَدَلٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ وَبِهِ أَفْتَى، وَجُمْلَةُ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت مُعْتَرِضَةٌ أَوْ هِيَ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَجُمْلَةُ أَنَّهُ لَوْ قَضَى إلَخْ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَاقْتَصَرَ ط عَلَى الْأَخِيرِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ إلَخْ) أَصْلُهُ لِنَاظِمِهَا وَنَقَلَهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ عَنْهُ وَنَصُّهُ قَالَ، أَيْ ابْنُ وَهْبَانَ وَقَدْ يَتَوَهَّمُ بَعْضُ الْمُتَفَقِّهَةِ مِنْ الشُّهُودِ أَنَّ مَنْ خَاصَمَ شَخْصًا فِي حَقٍّ أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ يَصِيرُ عَدُوَّهُ، فَيَشْهَدُونَ بَيْنَهُمَا بِالْعَدَاوَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِنَحْوِ إلَخْ اهـ.
قُلْت: لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ مُخْتَارَ ابْنِ وَهْبَانَ أَنَّ الْعَدَاوَةَ لَا تَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ إلَّا إذَا فَسَقَ بِهَا فَعُلِمَ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مُفَسِّقَةً وَقَدْ لَا تَكُونُ فَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تَثْبُتُ إلَخْ يُرِيدُ بِهِ الْعَدَاوَةَ الْمَانِعَةَ وَهِيَ الْمُفَسِّقَةُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ تَمْنَعُ الْقَبُولَ