وَلَمْ يَقُلْ بِغَسْلِهَا لِيَعُمَّ نَحْوَ دَلْكٍ وَفَرْكٍ.
(وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ أَثَرٍ) كَلَوْنٍ وَرِيحٍ (لَازِمٍ) فَلَا يُكَلَّفُ فِي إزَالَتِهِ إلَى مَاءٍ حَارٍّ أَوْ صَابُونٍ وَنَحْوِهِ، بَلْ يَطْهُرُ مَا صُبِغَ أَوْ خُضِّبَ بِنَجِسٍ بِغَسْلِهِ ثَلَاثًا وَالْأَوْلَى غَسْلُهُ
ــ
رد المحتار
وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ: يَغْسِلُ بَعْدَ زَوَالِهَا مَرَّةً، وَقِيلَ: مَرَّتَيْنِ، وَقِيلَ: ثَلَاثًا كَمَا فِي الْكَافِي. اهـ.
(قَوْلُهُ: لِيَعُمَّ نَحْوَ دَلْكٍ وَفَرْكٍ) أَيْ: دَلْكِ خُفٍّ وَفَرْكِ مَنِيٍّ، وَأَرَادَ بِنَحْوِهِ نَظَائِرَ ذَلِكَ مِمَّا يُزِيلُ الْعَيْنَ مِنْ الْمُطَهِّرَاتِ بِدُونِ غَسْلٍ كَدَبْغِ جِلْدٍ، وَيُبْسِ أَرْضٍ، وَمَسْحِ سَيْفٍ؛ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ جَفَّتْ عَلَى الْبَدَنِ أَوْ الثَّوْبِ وَذَهَبَ أَثَرُهَا فَقَدْ زَالَتْ عَيْنُهَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَطْهُرُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ أَشَارَ إلَى اشْتِرَاطِ الْمُطَهِّرِ بِقَوْلِهِ يَطْهُرُ، فَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُطَهِّرٍ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ
(قَوْلُهُ: كَلَوْنٍ وَرِيحٍ) الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَثَرِ هُوَ مَا ذُكِرَ فَقَطْ كَمَا فَسَّرَهُ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا الطَّعْمُ فَلَا بُدَّ مِنْ زَوَالِهِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ، وَاقْتَصَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَلَى تَفْسِيرِ الْأَثَرِ بِالرِّيحِ فَقَطْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ الرَّائِحَةِ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَشُقَّ زَوَالُهَا. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
أَقُولُ: وَهُوَ صَرِيحُ مَا نَقَلَهُ نُوحٌ أَفَنْدِي عَنْ الْمُحِيطِ حَيْثُ قَالَ لَوْ غُسِلَ الثَّوْبُ عَنْ الْخَمْرِ ثَلَاثًا وَرَائِحَتُهَا بَاقِيَةٌ طَهُرَ وَقِيلَ لَا مَا لَمْ تَزُلْ الرَّائِحَةُ. (قَوْلُهُ: لَازِمٍ) أَيْ: ثَابِتٍ وَهُوَ نَعْتٌ لِأَثَرٍ. (قَوْلُهُ: حَارٍّ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ: مُسَخَّنٍ. (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ) أَيْ: كَحُرْضٍ وَأُشْنَانٍ. (قَوْلُهُ: بَلْ يَطْهُرُ إلَخْ) إضْرَابٌ انْتِقَالِيٌّ ط. (قَوْلُهُ: بِنَجِسٍ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ: مُتَنَجِّسٍ إذْ لَوْ كَانَ بِعَيْنِ النَّجَاسَةِ كَالدَّمِ وَجَبَ زَوَالُ عَيْنِهِ وَطَعْمِهِ وَرِيحِهِ وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَيْتَةِ أَفَادَهُ ح. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الصَّبْغِ وَالِاخْتِضَابِ بِالصِّبْغِ أَوْ الْحِنَّاءِ النَّجِسَيْنِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى غَسْلُهُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمُنْيَةِ أَنَّهُ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الدُّهْنِ النَّجِسِ أَوْ اخْتَضَبَتْ الْمَرْأَةُ بِالْحِنَّاءِ النَّجِسِ أَوْ صُبِغَ الثَّوْبُ بِالصِّبْغِ النَّجِسِ ثُمَّ غُسِلَ كُلٌّ ثَلَاثًا طَهُرَ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَطْهُرُ إنْ غُسِلَ الثَّوْبُ حَتَّى يَصْفُوَ الْمَاءُ وَيَسِيلَ أَبْيَضَ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا وَقَعَتْ النَّجَاسَةُ فِي صِبْغٍ فَإِنَّهُ يُصْبَغُ بِهِ الثَّوْبُ ثُمَّ يُغْسَلُ ثَلَاثًا فَيَطْهُرُ كَالْمَرْأَةِ إذَا اخْتَضَبَتْ بِحِنَّاءٍ نَجِسٍ. اهـ. وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْحِنَّاءِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مُطْلَقَةً أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَطْهُرَ مَا دَامَ يَخْرُجُ الْمَاءُ مُلَوَّنًا بِلَوْنِ الْحِنَّاءِ، فَعُلِمَ أَنَّ اشْتِرَاطَ صَفْوِ الْمَاءِ إمَّا قَوْلٌ ثَانٍ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الْمُحِيطِ، أَوْ هُوَ تَقْيِيدٌ لِإِطْلَاقِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَبَيَانٌ لَهُ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ الْخَانِيَّةِ وَيَنْبَغِي، وَعَلَى كُلٍّ فَكَلَامُ الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ يُشْعِرُ بِاخْتِيَارِ ذَلِكَ الشَّرْطِ، وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِهِ فِي الْفَتْحِ.
هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ كَلَامًا حَسَنًا سَبَقَهُ إلَيْهِ صَاحِبُ الْحِلْيَةِ، وَهُوَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الِاخْتِضَابِ أَوْ الصَّبْغِ بِالْحِنَّاءِ أَوْ الصِّبْغِ النَّجِسَيْنِ وَغَمْسِ الْيَدِ فِي الدُّهْنِ النَّجِسِ مَبْنِيَّةٌ فِي الْأَصْلِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ إمَّا عَلَى أَنَّ الْأَثَرَ الَّذِي يَشُقُّ زَوَالُهُ لَا يَضُرُّ بَقَاؤُهُ، وَإِمَّا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّ الدُّهْنَ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا بِأَنْ يُجْعَلَ فِي إنَاءٍ فَيُصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ ثُمَّ يُرْفَعَ وَيُرَاقَ الْمَاءُ، وَهَكَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ؛ فَمَنْ بَنَى ذَلِكَ عَلَى الْأَوَّلِ اشْتَرَطَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَفْوَ الْمَاءِ لِيَكُونَ اللَّوْنُ الْبَاقِي أَثَرًا شَقَّ زَوَالُهُ فَيُعْفَى عَنْهُ وَإِنْ كَانَ رُبَّمَا نُفِضَ عَلَى ثَوْبٍ آخَرَ أَوْ ظَهَرَ فِي الْمَاءِ عِنْدَ غَسْلِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ. وَالْقَوْلُ بِاشْتِرَاطِ غَسْلِهِ ثَلَاثًا بَعْدَ صَفْوِ الْمَاءِ ضَعِيفٌ، وَمَنْ بَنَى عَلَى الثَّانِي اكْتَفَى بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الْحِنَّاءَ وَالصِّبْغَ وَالدُّهْنَ الْمُتَنَجِّسَاتِ تَصِيرُ طَاهِرَةً بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا فَلَا يُشْتَرَطُ بَعْدَ ذَلِكَ خُرُوجُ الْمَاءِ صَافِيًا. اهـ. وَقَدْ أَطَالَ فِي الْحِلْيَةِ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ ثُمَّ جَنَحَ إلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ وَقَالَ: إنَّهُ الْأَشْبَهُ فَلْيَكُنْ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَرْجِيحٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْفَتْحِ،