إلَى أَنْ يَصْفُوَ الْمَاءُ وَلَا يَضُرُّ أَثَرُ دُهْنٍ إلَّا دُهْنَ وَدَكِ مَيْتَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَا يُدْبَغَ بِهِ جِلْدٌ
ــ
رد المحتار
فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ الْجَزْمُ بِهِ إذْ لَمْ نَرَ مَنْ رَجَّحَ خِلَافَهُ فَافْهَمْ، ثُمَّ قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ: وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَصْبُوغِ بِالدَّمِ كَالثِّيَابِ الْحُمْرِ الَّتِي تُجْلَبُ فِي زَمَانِنَا مِنْ دِيَارِ بَكْرٍ، فَلَا تَطْهُرُ أَبَدًا مَا لَمْ يَخْرُجْ الْمَاءُ صَافِيًا وَيُعْفَى عَنْ اللَّوْنِ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الْمَصْبُوغُ بِالدُّودَةِ فَإِنَّهَا مَيْتَةٌ يَتَجَمَّدُ فِيهَا الدَّمُ النَّجِسُ مَا لَمْ تَكُنْ مِنْ دُودٍ يَتَوَلَّدُ فِي الْمَاءِ فَتَكُونُ طَاهِرَةً، لَكِنَّ بَيْعَهَا بَاطِلٌ، وَلَا يَضْمَنُ مُتْلِفُهَا، وَلَا يُمْلَكُ ثَمَنُهَا بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمَيْتَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ اهـ مُلَخَّصًا.
أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الدُّودَةَ إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَائِيَّةِ الْمَوْلِدِ وَكَانَ لَهَا دَمٌ سَائِلٌ فَهِيَ نَجِسَةٌ وَإِلَّا فَطَاهِرَةٌ فَلَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا قَبْلَ الْعِلْمِ بِحَقِيقَتِهَا. وَأَمَّا حُكْمُ بَيْعِهَا فَيَنْبَغِي جَوَازُهُ كَمَا أَجَازُوا بَيْعَ السِّرْقِينِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ وَكَذَا بَيْعُ دُودِ الْقَزِّ وَبَيْضِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ يُضَنُّ بِهِ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ. وَكَذَا بَيْعُ النَّحْلِ وَالْعَلَقِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْهَوَامِّ، وَهَذِهِ الدُّودَةُ عِنْدَ أَهْلِ زَمَانِنَا مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ وَأَنْفَسِهَا وَالضِّنَّةُ بِهَا أَكْثَرُ مِنْ دُودِ الْقَزِّ. وَقَدْ سَمِعْت أَنَّ الدُّودَةَ نَوْعَانِ نَوْعٌ مِنْهَا حَيَوَانِيٌّ يُخْنَقُ بِالْخَلِّ أَوْ الْخَمْرِ، وَنَوْعٌ مِنْهَا نَبَاتِيٌّ وَالْأَجْوَدُ فِي الصَّبْغِ الْأَوَّلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْوَشْمِ تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ
يُسْتَفَادُ مِمَّا مَرَّ حُكْمُ الْوَشْمِ فِي نَحْوِ الْيَدِ، وَهُوَ أَنَّهُ كَالِاخْتِضَابِ أَوْ الصَّبْغِ بِالْمُتَنَجِّسِ؛ لِأَنَّهُ إذَا غُرِزَتْ الْيَدُ أَوْ الشَّفَةُ مَثَلًا بِإِبْرَةٍ ثُمَّ حُشِيَ مَحَلُّهَا بِكُحْلٍ أَوْ نِيلَةٍ لِيَخْضَرَّ تَنَجَّسَ الْكُحْلُ بِالدَّمِ، فَإِذَا جَمَدَ الدَّمُ وَالْتَأَمَ الْجُرْحُ بَقِيَ مَحَلُّهُ أَخْضَرَ، فَإِذَا غُسِلَ طَهُرَ؛ لِأَنَّهُ أَثَرٌ يَشُقُّ زَوَالُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ إلَّا بِسَلْخِ الْجِلْدِ أَوْ جَرْحِهِ، فَإِذَا كَانَ لَا يُكَلَّفُ بِإِزَالَةِ الْأَثَرِ الَّذِي يَزُولُ بِمَاءٍ حَارٍّ أَوْ صَابُونٍ فَعَدَمُ التَّكْلِيفِ هُنَا أَوْلَى، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْقُنْيَةِ فَقَالَ: وَلَوْ اتَّخَذَ فِي يَدِهِ وَشْمًا لَا يَلْزَمُهُ السَّلْخُ اهـ. لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ أَعَادَ سِنَّهُ ثَانِيًا وَنَبَتَ وَقَوِيَ، فَإِنْ أَمْكَنَ قَلْعُهُ بِلَا ضَرَرٍ قَلَعَهُ وَإِلَّا فَلَا وَتَنَجَّسَ فَمُهُ، وَلَا يَؤُمُّ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ اهـ. أَيْ: بِنَاءً عَلَى نَجَاسَةِ السِّنِّ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ: وَمِنْهُ يُعْلَمُ حُكْمُ الْوَشْمَةِ، وَلَا رَيْبَ فِي عَدَمِ جَوَازِ كَوْنِهِ إمَامًا بِجَامِعِ النَّجَاسَةِ. ثُمَّ نُقِلَ عَنْ شَرْحِ الْمَشَارِقِ لِلْعَلَّامَةِ الْأَكْمَلِ أَنَّهُ قِيلَ: يَصِيرُ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ نَجِسًا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إزَالَتُهُ إلَّا بِالْجَرْحِ فَإِنْ خِيفَ مِنْهُ الْهَلَاكُ أَوْ فَوَاتُ عُضْوٍ لَمْ تَجِبْ وَإِلَّا وَجَبَتْ، وَبِتَأْخِيرِهِ يَأْثَمُ، وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِيهِ سَوَاءٌ اهـ.
أَقُولُ: وَعَلَيْهِ لَوْ أَصَابَ مَاءً قَلِيلًا أَوْ مَائِعًا نَجَّسَهُ، لَكِنَّ تَعْبِيرَ الْأَكْمَلِ بِقِيلَ يُفِيدُ عَدَمَ اعْتِمَادِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْهُمْ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَشْمَةِ وَبَيْنَ السِّنِّ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ السِّنَّ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَالْوَشْمَةَ أَثَرٌ، فَإِنْ اُدُّعِيَ أَنَّ بَقَاءَ اللَّوْنِ دَلِيلٌ عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ رُدَّ بِأَنَّ الصَّبْغَ وَالِاخْتِضَابَ كَذَلِكَ فَيَلْزَمُ عَدَمُ طَهَارَتِهِ، وَإِنْ فُرِّقَ بِأَنَّ الْوَشْمَةَ امْتَزَجَتْ بِاللَّحْمِ وَالْتَأَمَتْ مَعَهُ بِخِلَافِ الصَّبْغِ نَقُولُ: إنَّ مَا تَدَاخَلَ فِي اللَّحْمِ لَا يُؤْمَرُ بِغَسْلِهِ كَمَا لَوْ تَشَرَّبَتْ النَّجَاسَةُ فِي يَدِهِ مَثَلًا، وَمَا عَلَى سَطْحِ الْجِلْدِ مِثْلُ الْحِنَّاءِ وَالصَّبْغِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ نَجِسٍ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ «وَلَمَّا جُرِحَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُحُدٍ جَاءَتْ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَأَحْرَقَتْ حَصِيرًا وَكَمَّدَتْ بِهِ حَتَّى الْتَصَقَ بِالْجُرْحِ فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ» .
وَفِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ مِنْ خِزَانَةِ الْفَتَاوَى: كُسِرَ عَظْمُهُ فَوُصِّلَ بِعَظْمِ الْكَلْبِ وَلَا يُنْزَعُ إلَّا بِضَرَرٍ جَازَتْ الصَّلَاةُ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ فِي يَدِهِ تَصَاوِيرُ وَيَؤُمُّ النَّاسَ لَا تُكْرَهُ إمَامَتُهُ اهـ. وَفِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ سُئِلَ فِي رَجُلٍ عَلَى يَدِهِ وَشْمٌ هَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَإِمَامَتُهُ مَعَهُ أَمْ لَا؟ أَجَابَ نَعَمْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَإِمَامَتُهُ بِلَا شُبْهَةٍ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا دُهْنَ وَدَكِ مَيْتَةٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إلَّا وَدَكَ دُهْنِ مَيْتَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَدَكَ الدَّسَمُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يُدْبَغَ بِهِ جِلْدٌ) أَيْ: لَا يَحِلُّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَوْ دُبِغَ ثُمَّ غُسِلَ طَهُرَ. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: الْكِيمَخْتُ الْمَدْبُوغُ بِدُهْنِ الْخِنْزِيرِ إذَا