وَمَوْضُوعُهُ: فِعْلُ الْمُكَلَّفِ ثُبُوتًا أَوْ سَلْبًا. وَاسْتِمْدَادُهُ: مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ. وَغَايَتُهُ: الْفَوْزُ بِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ.
وَأَمَّا فَضْلُهُ: فَكَثِيرٌ شَهِيرٌ، وَمِنْهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا النَّظَرُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ
ــ
رد المحتار
فَقَالَ الْحَسَنُ: ثَكِلَتْك أُمُّك، وَهَلْ رَأَيْت فَقِيهًا بِعَيْنِك؟ إنَّمَا الْفَقِيهُ الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا الرَّاغِبُ فِي الْآخِرَةِ، الْبَصِيرُ بِدِينِهِ الْمُدَاوِمُ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ، الْوَرِعُ الْكَافُّ عَنْ أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ، الْعَفِيفُ عَنْ أَمْوَالِهِمْ النَّاصِحُ لِجَمَاعَتِهِمْ.
(قَوْلُهُ: وَمَوْضُوعُهُ إلَخْ) . مَوْضُوعُ كُلِّ عِلْمٍ مَا يَبْحَثُ فِيهِ عَنْ عَوَارِضِهِ الذَّاتِيَّةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَمَّا مَوْضُوعُهُ فَفِعْلُ الْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُكَلَّفٌ؛ لِأَنَّهُ يَبْحَثُ فِيهِ عَمَّا يَعْرِضُ لِفِعْلِهِ مِنْ حِلٍّ وَحُرْمَةٍ وَوُجُوبٍ وَنَدْبٍ، وَالْمُرَادُ بِالْمُكَلَّفِ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ، فَفِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ لَيْسَ مِنْ مَوْضُوعِهِ، وَضَمَانُ الْمُتْلَفَاتِ وَنَفَقَةُ الزَّوْجَاتِ إنَّمَا الْمُخَاطَبُ بِهَا الْوَلِيُّ لَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ، كَمَا يُخَاطَبُ صَاحِبُ الْبَهِيمَةِ بِضَمَانِ مَا أَتْلَفَتْهُ حَيْثُ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا لِتَنْزِيلِ فِعْلِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِمَنْزِلَةِ فِعْلِهِ.
وَأَمَّا صِحَّةُ عِبَادَةِ الصَّبِيِّ كَصَلَاتِهِ وَصَوْمِهِ الْمُثَابِ عَلَيْهَا فَهِيَ عَلَيْهَا عَقْلِيَّةٌ مِنْ بَابِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ، وَلِذَا لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِهَا بَلْ لِيَعْتَادَهَا فَلَا يَتْرُكُهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَيَّدْنَا بِحَيْثِيَّةِ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ لَا مِنْ حَيْثُ التَّكْلِيفُ لَيْسَ مَوْضُوعُهُ كَفِعْلِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَخْلُوقُ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ.
(قَوْلُهُ: ثُبُوتًا أَوْ سَلْبًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُ التَّكْلِيفِ بِهِ كَالْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ، أَوْ سَلْبُهُ كَالْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ، وَقَصَدَ بِذَلِكَ دَفْعَ مَا قَدْ يُقَالُ إنَّ قَيْدَ الْحَيْثِيَّةِ مُرَاعًى، فَالْمُرَادُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُكَلَّفٌ كَمَا مَرَّ. فَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ الْمَنْدُوبِ أَوْ الْمُبَاحِ مِنْ مَوْضُوعِ الْفِقْهِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ فِيهِ لِجَوَازِ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَبْحَثُ عَنْهُ فِي الْفِقْهِ مِنْ حَيْثُ سَلْبُ التَّكْلِيفِ بِهِ عَنْ طَرَفَيْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ. مَطْلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَصْدَرِ وَالْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ
تَنْبِيهٌ قَالَ فِي النَّهْرِ: اعْلَمْ أَنَّ الْفِعْلَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ وَصْفٌ لِلْفَاعِلِ مَوْجُودٌ كَالْهَيْئَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالصَّلَاةِ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَنَحْوِهَا كَالْهَيْئَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالصَّوْمِ، وَهِيَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ بَيَاضَ النَّهَارِ، وَهَذَا يُقَالُ فِيهِ الْفِعْلُ بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى نَفْسِ إيقَاعِ الْفَاعِلِ هَذَا الْمَعْنَى، وَيُقَالُ فِيهِ الْفِعْلُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ: أَيْ الَّذِي هُوَ أَحَدُ مَدْلُولَيْ الْفِعْلِ، وَمُتَعَلِّقُ التَّكْلِيفِ إنَّمَا هُوَ الْفِعْلُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي اعْتِبَارِيٌّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، إذْ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا لَكَانَ لَهُ مَوْقِعٌ فَيَكُونُ لَهُ إيقَاعٌ وَهَكَذَا فَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ الْمُحَالُ، فَأَحْكِمْ هَذَا فَإِنَّهُ يَنْفَعُك فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَحَالِّ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَاسْتِمْدَادُهُ) أَيْ مَأْخَذُهُ.
(قَوْلُهُ: مِنْ الْكِتَابِ إلَخْ) وَأَمَّا شَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا فَتَابِعَةٌ لِلْكِتَابِ. وَأَمَّا أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ فَتَابِعَةٌ لِلسُّنَّةِ، وَأَمَّا تَعَامُلُ النَّاسِ فَتَابِعٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا التَّحَرِّي وَاسْتِصْحَابُ الْحَالِ فَتَابِعَانِ لِلْقِيَاسِ بَحْرٌ، وَبَيَانُ مَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ.
(قَوْلُهُ: وَغَايَتُهُ) أَيْ ثَمَرَتُهُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: بِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ) أَيْ دَارِ الدُّنْيَا بِنَقْلِ نَفْسِهِ مِنْ حَضِيضِ الْجَهْلِ إلَى ذُرْوَةِ الْعِلْمِ، وَبِبَيَانِ مَا لِلنَّاسِ وَمَا عَلَيْهِمْ لِقَطْعِ الْخُصُومَاتِ وَدَارُ الْآخِرَةِ بِالنِّعَمِ الْفَاخِرَةِ
. (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ) أَيْ مِنْ الْمُعَلِّمِ، وَإِذَا كَانَ النَّظَرُ وَالْمُطَالَعَةُ وَهُوَ دُونَ السَّمَاعِ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ فَمَا بَالُك بِالسَّمَاعِ. اهـ. ح.
أَقُولُ: وَهَذَا إذَا كَانَ مَعَ الْفَهْمِ لِمَا فِي فُصُولِ الْعَلَامِيِّ: مَنْ لَهُ ذِهْنٌ يَفْهَمُ الزِّيَادَةَ أَيْ عَلَى مَا يَكْفِيهِ وَقَدَرَ أَنْ يُصَلِّيَ لَيْلًا وَيَنْظُرَ فِي الْعِلْمِ نَهَارًا فَنَظَرُهُ فِي الْعِلْمِ نَهَارًا وَلَيْلًا أَفْضَلُ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ) أَيْ بِالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَإِنَّمَا كَانَ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ إنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى مَا يَحْتَاجُهُ: وَإِلَّا فَهُوَ فَرْضُ