مَا الْفَضْلُ إلَّا لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ ... عَلَى الْهُدَى لِمَنْ اسْتَهْدَى أَدِلَّاءُ
وَوَزْنُ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُهُ ... وَالْجَاهِلُونَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْدَاءُ
فَفُزْ بِعِلْمٍ وَلَا تَجْهَلْ بِهِ أَبَدًا ... النَّاسُ مَوْتَى وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيَاءُ
وَقَدْ قِيلَ: الْعِلْمُ وَسِيلَةٌ إلَى كُلِّ فَضِيلَةٍ، الْعِلْمُ يَرْفَعُ الْمَمْلُوكَ إلَى مَجَالِسِ الْمُلُوكِ، لَوْلَا الْعُلَمَاءُ لَهَلَكَ الْأُمَرَاءُ.
وَإِنَّمَا الْعِلْمُ لِأَرْبَابِهِ ... وِلَايَةٌ لَيْسَ لَهَا عَزْلُ
ــ
رد المحتار
(قَوْلُهُ: مَا الْفَضْلُ) الَّذِي فِي الْإِحْيَاءِ مَا الْفَخْرُ، وَأَلْ فِي الْعِلْمِ لِلْعَهْدِ: أَيْ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ الْمُوصِلُ إلَى الْآخِرَةِ.
(قَوْلُهُ: أَنَّهُمْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى حَذْفِ لَامِ الْعِلَّةِ: أَيْ لِأَنَّهُمْ. أَوْ بِالْكَسْرِ وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ. وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا التَّعْلِيلُ ط.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْهُدَى) أَيْ الرَّشَادِ قَامُوسٌ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَدِلَّاءُ جَمْعُ دَالٍّ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ دَلَّ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِمَنْ اسْتَهْدَى: أَيْ طَلَبَ الْهِدَايَةَ.
(قَوْلُهُ: وَوَزْنُ) أَيْ قَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ. أَيْ حُسْنُهُ بِمَا كَانَ يُحْسِنُهُ أَفَادَهُ الْبَيْضَاوِيُّ، فَقَدْرُ الصَّانِعِ عَلَى مِقْدَارِ صَنْعَتِهِ. وَمَنْ أَحْسَنَ عُلُومَ الْآدَابِ فَقَدْرُهُ عَلَى قَدْرِهَا. وَمَنْ أَحْسَنَ عِلْمَ الْفِقْهِ فَقَدْرُهُ عَظِيمٌ لِعِظَمِهِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ أَحْسَنَ شَيْئًا فَمَقَامُهُ عَلَى قَدْرِهِ اهـ ط.
(قَوْلُهُ: وَالْجَاهِلُونَ) أَيْ بِالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ. فَيَشْمَلُ الْعَالَمِينَ بِغَيْرِهِ، بَلْ هُمْ أَشَدُّ عَدَاوَةً لِعُلَمَاءِ الدِّينِ مِنْ الْعَوَّامِ قَالَ ط: وَسَبَبُ الْعَدَاوَةِ مِنْ الْجَاهِلِ عَدَمُ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ إذَا أَفْتَى عَلَيْهِ أَوْ رَأَى مِنْهُ مَا يُخَالِفُ رَأْيَهُ وَرُؤْيَةُ إقْبَالِ النَّاسِ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا تَجْهَلْ بِهِ أَبَدًا) الَّذِي فِي الْإِحْيَاءِ: وَلَا تَبْغِي بِهِ بَدَلًا.
(قَوْلُهُ: النَّاسُ مَوْتَى) أَيْ حُكْمًا لِعَدَمِ النَّفْعِ كَالْأَرْضِ الْمَيِّتَةِ الَّتِي لَا تَنْبُتُ. قَالَ تَعَالَى - {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} الأنعام: ١٢٢- أَيْ جَاهِلًا فَعَلَّمْنَاهُ - {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} الأنعام: ١٢٢- وَهُوَ الْعِلْمُ - {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} الأنعام: ١٢٢- وَهُوَ الْجَاهِلُ الْغَارِقُ فِي ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ أَوْ مَوْتَى الْقُلُوبِ. قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ وَقَالَ فَتْحٌ الْمُوصِلِيُّ: الْمَرِيضُ إذَا مُنِعَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَالدَّوَاءَ أَلَيْسَ يَمُوتُ؟ قَالُوا بَلَى، قَالَ: كَذَلِكَ الْقَلْبُ إذَا مُنِعَ عَنْهُ الْحِكْمَةُ وَالْعِلْمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَمُوتُ، وَلَقَدْ صَدَقَ فَإِنَّ غِذَاءَ الْقَلْبِ الْعِلْمُ وَالْحِكْمَةُ وَبِهِ حَيَاتُهُ، كَمَا أَنَّ غِذَاءَ الْجَسَدِ الطَّعَامُ. وَمَنْ فَقَدَ الْعِلْمَ فَقَلْبُهُ مَرِيضٌ وَمَوْتُهُ لَازِمٌ إلَخْ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَخُو الْعِلْمِ حَيٌّ خَالِدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ ... وَأَوْصَالُهُ تَحْتَ التُّرَابِ رَمِيمُ
وَذُو الْجَهْلِ مَيْتٌ وَهُوَ مَاشٍ عَلَى الثَّرَى ... يُظَنُّ مِنْ الْأَحْيَاءِ وَهُوَ عَدِيمُ
(قَوْلُهُ: الْعِلْمُ يَرْفَعُ الْمَمْلُوكَ إلَخْ) قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ الْحِكْمَةَ تَزِيدُ الشَّرِيفَ شَرَفًا وَتَرْفَعُ الْمَمْلُوكَ حَتَّى تُجْلِسَهُ مَجَالِسَ الْمُلُوكِ» وَقَدْ نَبَّهَ بِهَذَا عَلَى ثَمَرَتِهِ فِي الدُّنْيَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْآخِرَةَ خَيْرٌ وَأَبْقَى. اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: اشْتَرَانِي مَوْلَايَ بِثَلَثِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَعْتَقَنِي، فَقُلْت: بِأَيِّ حِرْفَةٍ أَحْتَرِفُ؟ فَاحْتَرَفْت بِالْعِلْمِ، فَمَا تَمَّتْ لِي سَنَةٌ حَتَّى أَتَانِي أَمِيرُ الْمَدِينَةِ زَائِرًا فَلَمْ آذَنْ لَهُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْعِلْمُ إلَخْ) هَذَا بَيْتٌ مِنْ بَحْرِ السَّرِيعِ، وَقَوْلُهُ لِأَرْبَابِهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ وِلَايَةٍ؛ لِأَنَّ نَعْتَ النَّكِرَةِ إذَا قُدِّمَ عَلَيْهَا أُعْرِبَ حَالًا أَوْ صِفَةً لِلْعِلْمِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْزَلْ صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّهُ وِلَايَةٌ إلَهِيَّةٌ لَا سَبِيلَ لِلْعِبَادِ إلَى عَزْلِهِ مِنْهَا: وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ أُولِي الْأَمْرِ فِي قَوْله تَعَالَى - {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} النساء: ٥٩- هُمْ الْعُلَمَاءُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ آخِرَ الْكِتَابِ. وَفِي الْإِحْيَاءِ قَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ: لَيْسَ شَيْءٌ أَعَزُّ مِنْ الْعِلْمِ، الْمُلُوكُ حُكَّامٌ عَلَى النَّاسِ، وَالْعُلَمَاءُ حُكَّامٌ عَلَى الْمُلُوكِ. اهـ. وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إنَّ الْمُلُوكَ لَيَحْكُمُونَ عَلَى الْوَرَى ... وَعَلَى الْمُلُوكِ لَتَحْكُمُ الْعُلَمَاءُ