وَعِلْمُ الْمُوسِيقَى. وَمَكْرُوهًا وَهُوَ أَشْعَارُ الْمُوَلَّدِينَ مِنْ الْغَزَلِ وَالْبَطَالَةِ، وَمُبَاحًا كَأَشْعَارِهِمْ -
ــ
رد المحتار
كَالنُّحَاسِ إلَى الذَّهَبِ هَلْ هُوَ ثَابِتٌ؟ فَقِيلَ نَعَمْ لِانْقِلَابِ الْعَصَا ثُعْبَانًا حَقِيقَةً وَإِلَّا لَبَطَلَ الْإِعْجَازُ. وَقِيلَ لَا لِأَنَّ قَلْبَ الْحَقَائِقِ مُحَالٌ. وَالْحَقُّ الْأَوَّلُ إلَى أَنْ قَالَ: تَنْبِيهٌ، كَثِيرًا مَا يُسْأَلُ عَنْ عِلْمِ الْكِيمْيَاءِ وَتَعَلُّمُهُ هَلْ يَحِلُّ أَوْ لَا، وَلَمْ نَرَ لِأَحَدٍ كَلَامًا فِي ذَلِكَ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ مَنْ عَلَّمَ الْعِلْمَ الْمُوصِلَ لِذَلِكَ الْقَلْبِ عِلْمًا يَقِينِيًّا جَازَ لَهُ عِلْمُهُ وَتَعْلِيمُهُ إذْ لَا مَحْذُورَ فِيهِ بِوَجْهٍ، وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي أَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْإِنْسَانُ ذَلِكَ الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ وَكَانَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى الْغِشِّ فَالْوَجْهُ الْحُرْمَةُ اهـ مُلَخَّصًا.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا بِإِثْبَاتِ قَلْبِ الْحَقَائِقِ وَهُوَ الْحَقُّ جَازَ الْعَمَلُ بِهِ وَتَعَلُّمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغِشٍّ لِأَنَّ النُّحَاسَ يَنْقَلِبُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً حَقِيقَةً. وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ غِشٌّ كَمَا لَا يَجُوزُ لِمَنْ لَا يَعْلَمُهُ حَقِيقَةً لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ الْمَالِ أَوْ غِشِّ الْمُسْلِمِينَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَذْهَبَنَا ثُبُوتُ انْقِلَابِ الْحَقَائِقِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرُوهُ فِي انْقِلَابِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ. كَانْقِلَابِ الْخَمْرِ خَلًّا وَالدَّمِ مِسْكًا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ: وَعِلْمِ الْمُوسِيقِيِّ) بِكَسْرِ الْقَافِ: وَهُوَ عِلْمٌ رِيَاضِيٌّ يُعْرَفُ مِنْهُ أَحْوَالُ النَّغَمِ وَالْإِيقَاعَاتِ، وَكَيْفِيَّةُ تَأْلِيفِ اللُّحُونِ، وَإِيجَادُ الْآلَاتِ. وَمَوْضُوعُهُ الصَّوْتُ مِنْ جِهَةِ تَأْثِيرِهِ فِي النُّفُوسِ بِاعْتِبَارِ نِظَامِهِ فِي طَبَقَتِهِ وَزَمَانِهِ. وَثَمَرَتُهُ بَسْطُ الْأَرْوَاحِ وَتَعْدِيلُهَا وَتَفْوِيتُهَا وَقَبْضُهَا أَيْضًا. مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى إنْشَادِ الشِّعْرِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ أَشْعَارُ الْمُوَلَّدِينَ) أَيْ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ حَدَثُوا بَعْدَ شُعَرَاءِ الْعَرَبِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْمُوَلَّدَةُ الْمُحْدَثَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَمِنْ الشُّعَرَاءِ لِحُدُوثِهِمْ. وَفِي آخِرِ الرَّيْحَانَةِ لِلشِّهَابِ الْخَفَاجِيِّ: بُلَغَاءُ الْعَرَبِ فِي الشِّعْرِ وَالْخُطَبِ عَلَى سِتِّ طَبَقَاتٍ: الْجَاهِلِيَّةُ الْأُولَى مِنْ عَادٍ وَقَحْطَانَ. وَالْمُخَضْرَمُونَ. وَهُمْ مَنْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ وَالْإِسْلَامَ. وَالْإِسْلَامِيُّونَ وَالْمُوَلَّدُونَ وَالْمُحْدَثُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ مِنْ الْعَصْرِيِّينَ، وَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ هُمْ مَا هُمْ فِي الْبَلَاغَةِ وَالْجَزَالَةِ. وَمَعْرِفَةُ شِعْرِهِمْ رِوَايَةً وَدِرَايَةً عِنْدَ فُقَهَاءِ الْإِسْلَامِ فَرْضُ كِفَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ بِهِ تَثْبُتُ قَوَاعِدُ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي بِهَا يُعْلَمُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى مَعْرِفَتِهِمَا الْأَحْكَامُ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا الْحَلَالُ مِنْ الْحَرَامِ. وَكَلَامُهُمْ وَإِنْ جَازَ فِيهِ الْخَطَأُ فِي الْمَعَانِي فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْخَطَأُ فِي الْأَلْفَاظِ وَتَرْكِيبِ الْمَبَانِي اهـ.
(قَوْلُهُ: عَنْ الْغَزَلِ) الْمُرَادُ بِهِ مَا فِيهِ وَصْفُ النِّسَاءِ وَالْغِلْمَانِ. وَهُوَ فِي الْأَصْلِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ: اسْمٌ لِمُحَادَثَةِ النِّسَاءِ. وَعَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَالْبَطَالَةِ عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهَا. فَشَمِلَ وَصْفَ حَالِ الْمُحِبِّ مَعَ الْمَحْبُوبِ أَوْ مَعَ عُذَّالِهِ مِنْ الْوَصْلِ وَالْهَجْرِ وَاللَّوْعَةِ وَالْغَرَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْبَطَالَةُ نَقِيضُ الْعِمَالَةِ. مِنْ بَطَلَ الْأَجِيرُ مِنْ الْعَمَلِ فَهُوَ بَطَّالٌ بَيِّنُ الْبَطَالَةِ بِالْفَتْحِ وَحُكِيَ بِالْكَسْرِ وَهُوَ أَفْصَحُ وَرُبَّمَا قِيلَ بِالضَّمِّ. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَّهُ وَجَدَ بِهَامِشِ الْمِصْبَاحِ بِخَطِّ مُصَنِّفِهِ مَا حَاصِلُهُ: الْفَعَالَةُ بِالْفَتْحِ قَدْ يَكُونُ وَصْفًا لِلطَّبِيعَةِ كَالرَّزَانَةِ وَالْجَهَالَةِ. وَبِالْكَسْرِ لِلصِّنَاعَةِ كَالتِّجَارَةِ. وَبِالضَّمِّ لِمَا يُرْمَى كَالْقُلَامَةِ. وَقَدْ يُضَمَّنُ اللَّفْظُ الْمَعَانِيَ الثَّلَاثَةَ فَيَجُوزُ فِيهِ الْحَرَكَاتُ الثَّلَاثَةُ، فَالْبَطَالَةُ بِالْفَتْحِ لِأَنَّهُ وَصْفٌ ثَابِتٌ، وَبِالْكَسْرِ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الصِّنَاعَةَ لِلْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا، وَبِالضَّمِّ لِأَنَّهَا مِمَّا يُرْفَضُ. اهـ.
أَقُولُ: وَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمَكْرُوهَ مِنْهُ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ وَجَعَلَهُ صِنَاعَةً لَهُ حَتَّى غَلَبَ عَلَيْهِ وَأَشْغَلَهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ. وَبِهِ فُسِّرَ الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» ، فَالْيَسِيرُ مِنْ ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا قُصِدَ بِهِ إظْهَارُ النِّكَاتِ وَاللَّطَافَاتِ وَالتَّشَابِيهِ الْفَائِقَةِ وَالْمَعَانِي الرَّائِقَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَصْفِ الْخُدُودِ وَالْقُدُودِ، فَإِنَّ عُلَمَاءَ الْبَدِيعِ قَدْ اسْتَشْهَدُوا مِنْ ذَلِكَ