وَالْكِهَانَةِ، وَدَخَلَ فِي الْفَلْسَفَةِ الْمَنْطِقُ، وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ عِلْمُ الْحَرْفِ
ــ
رد المحتار
وَذُكِرَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ خَطَأٌ وَيَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ حَقِيقَتِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ رَدُّ مَا لَزِمَ فِي شَرْطِ الْإِيمَانِ فَهُوَ كُفْرٌ وَإِلَّا فَلَا. اهـ.
أَقُولُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْقَرَافِيُّ الْمَالِكِيُّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا هُوَ سِحْرٌ يَكْفُرُ بِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ بِمَا يَلْزَمُ مُرَاجَعَتُهُ مِنْ أَوَاخِرِ شَرْحِ اللَّقَانِيِّ الْكَبِيرِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ. وَمِنْ كِتَابِ الْإِعْلَامِ فِي قَوَاطِعِ الْإِسْلَامِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ حَجَرٍ. مَطْلَبُ السِّحْرِ أَنْوَاعٌ
وَحَاصِلُهُ أَنَّ السِّحْرَ اسْمُ جِنْسٍ لِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: الْأَوَّلُ: السِّيمِيَاءُ، وَهِيَ مَا يُرَكَّبُ مِنْ خَوَاصَّ أَرْضِيَّةٍ كَدُهْنٍ خَاصٍّ أَوْ كَلِمَاتٍ خَاصَّةٍ تُوجِبُ إدْرَاكَ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ أَوْ بَعْضِهَا بِمَا لَهُ وُجُودٌ حَقِيقِيٌّ، أَوْ بِمَا هُوَ تَخَيُّلٌ صِرْفٌ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْمُومٍ أَوْ غَيْرِهِمَا.
الثَّانِي: الْهِيمْيَاءُ، وَهِيَ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ مُضَافًا لِآثَارٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا أَرْضِيَّةٍ.
الثَّالِثُ: بَعْضُ خَوَاصِّ الْحَقَائِقِ، كَمَا يُؤْخَذُ سَبْعُ أَحْجَارٍ يُرْمَى بِهَا نَوْعٌ مِنْ الْكِلَابِ إذَا رَمَى بِحَجَرٍ عَضَّهُ، فَإِذَا عَضَّهَا الْكَلْبُ وَطُرِحَتْ فِي مَاءٍ فَمَنْ شَرِبَهُ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ آثَارٌ خَاصَّةٌ فَهَذِهِ أَنْوَاعُ السِّحْرِ الثَّلَاثَةِ، قَدْ تَقَعُ بِمَا هُوَ كُفْرٌ مِنْ لَفْظٍ أَوْ اعْتِقَادٍ أَوْ فِعْلٍ، وَقَدْ تَقَعُ بِغَيْرِهِ كَوَضْعِ الْأَحْجَارِ. وَلِلسِّحْرِ فُصُولٌ كَثِيرَةٌ فِي كُتُبِهِمْ. فَلَيْسَ كُلُّ مَا يُسَمَّى سِحْرًا كُفْرًا، إذْ لَيْسَ التَّكْفِيرُ بِهِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ بَلْ لِمَا يَقَعُ بِهِ مِمَّا هُوَ كُفْرٌ كَاعْتِقَادِ انْفِرَادِ الْكَوَاكِبِ: بِالرُّبُوبِيَّةِ أَوْ إهَانَةِ قُرْآنٍ أَوْ كَلَامٍ مُكَفِّرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِكَلَامِ إمَامِ الْهُدَى أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ، ثُمَّ إنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ كُفْرِهِ مُطْلَقًا عَدَمُ قَتْلِهِ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ بِسَبَبِ سَعْيِهِ بِالْفَسَادِ كَمَا مَرَّ. فَإِذَا ثَبَتَ إضْرَارُهُ بِسِحْرِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ مُكَفِّرٍ: يُقْتَلُ دَفْعًا لِشَرِّهِ كَالْخُنَّاقِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ. مَطْلَبٌ فِي الْكِهَانَةِ.
(قَوْلُهُ: وَالْكِهَانَةِ) وَهِيَ تَعَاطِي الْخَبَرِ عَنْ الْكَائِنَاتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَادِّعَاءُ مَعْرِفَةِ الْأَسْرَارِ. قَالَ فِي نِهَايَةِ الْحَدِيثِ: وَقَدْ كَانَ فِي الْعَرَبِ كَهَنَةٌ كَشِقٍّ وَسَطِيحٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ تَابِعًا يُلْقِي إلَيْهِ الْأَخْبَارَ عَنْ الْكَائِنَاتِ، وَمِنْهُمْ أَنَّهُ يَعْرِفُ الْأُمُورَ بِمُقَدِّمَاتٍ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مُوَافِقِهَا مِنْ كَلَامِ مَنْ يَسْأَلُهُ أَوْ حَالِهِ أَوْ فِعْلِهِ وَهَذَا يَخُصُّونَهُ بِاسْمِ الْعَرَّافِ كَالْمُدَّعِي مَعْرِفَةَ الْمَسْرُوقِ وَنَحْوِهِ، وَحَدِيثُ " مَنْ أَتَى كَاهِنًا " يَشْمَلُ الْعَرَّافَ وَالْمُنَجِّمَ. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مَنْ يَتَعَاطَى عِلْمًا دَقِيقًا كَاهِنًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي الْمُنَجِّمَ وَالطَّبِيبَ كَاهِنًا اهـ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
(قَوْلُهُ: وَدَخَلَ فِي الْفَلْسَفَةِ الْمَنْطِقُ) لِأَنَّهُ الْجُزْءُ الثَّانِي مِنْهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِهِمْ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ الْبَاطِلَةِ. أَمَّا مَنْطِقُ الْإِسْلَامِيِّينَ الَّذِي مُقَدِّمَاتُهُ قَوَاعِدُ إسْلَامِيَّةٌ فَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِحُرْمَتِهِ بَلْ سَمَّاهُ الْغَزَالِيُّ مِعْيَارَ الْعُلُومِ، وَقَدْ أَلَّفَ فِيهِ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ وَمِنْهُمْ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فَإِنَّهُ أَتَى مِنْهُ بِبَيَانِ مُعْظَمِ مَطَالِبِهِ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ التَّحْرِيرِ الْأُصُولِيِّ.
(قَوْلُهُ: عِلْمُ الْحَرْفِ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكَافُ الَّذِي هُوَ إشَارَةٌ إلَى الْكِيمْيَاءِ، وَلَا شَكَّ فِي حُرْمَتِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ ضَيَاعِ الْمَالِ وَالِاشْتِغَالِ بِمَا لَا يُفِيدُ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جَمْعُ حُرُوفٍ يَخْرُجُ مِنْهَا دَلَالَةٌ عَلَى حَرَكَاتٍ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ عِلْمُ أَسْرَارِ الْحُرُوفِ بِأَوْفَاقِ الِاسْتِخْدَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. اهـ. ط. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ الطَّلْسَمَاتُ، وَهِيَ كَمَا فِي شَرْحِ اللَّقَانِيِّ نَقْشُ أَسْمَاءٍ خَاصَّةٍ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْأَفْلَاكِ وَالْكَوَاكِبِ عَلَى زَعْمِ أَهْلِ هَذَا الْعِلْمِ فِي أَجْسَامٍ مِنْ الْمَعَادِنِ أَوْ غَيْرِهَا تَحْدُثُ لَهَا خَاصَّةً رُبِطَتْ بِهَا فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ. اهـ.
هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ مِنْ التُّحْفَةِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي انْقِلَابِ الشَّيْءِ عَنْ حَقِيقَتِهِ