وَالرَّمْلِ وَعُلُومِ الطَّبَائِعِيِّينَ وَالسِّحْرِ
ــ
رد المحتار
وَإِنَّهُ حَقٌّ، وَقَدْ نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} الرحمن: ٥- أَيْ سَيْرُهُمَا بِحِسَابٍ. وَاسْتِدْلَالِيٌّ بِسَيْرِ النُّجُومِ وَحَرَكَةِ الْأَفْلَاكِ عَلَى الْحَوَادِثِ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْرِهِ، وَهُوَ جَائِزٌ كَاسْتِدْلَالِ الطَّبِيبِ بِالنَّبْضِ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَلَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ ادَّعَى الْغَيْبَ بِنَفْسِهِ يَكْفُرُ، ثُمَّ تَعَلُّمُ مِقْدَارِ مَا يُعْرَفُ بِهِ مَوَاقِيتُ الصَّلَاةِ وَالْقِبْلَةُ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ. وَأَفَادَ أَنَّ تَعَلُّمَ الزَّائِدِ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ فِيهِ بَأْسٌ بَلْ صَرَّحَ فِي الْفُصُولِ بِحُرْمَتِهِ وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقِسْمُ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: إنَّ عِلْمَ النُّجُومِ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مَذْمُومٍ لِذَاتِهِ إذْ هُوَ قِسْمَانِ إلَخْ ثُمَّ قَالَ وَلَكِنَّهُ مَذْمُومٌ فِي الشَّرْعِ. وَقَالَ عُمَرُ: تَعَلَّمُوا مِنْ النُّجُومِ مَا تَهْتَدُوا بِهِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ثُمَّ امْسِكُوا، وَإِنَّمَا زَجَرَ عَنْهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ مُضِرٌّ بِأَكْثَرِ الْخَلْقِ، فَإِنَّهُ إذَا أَلْقَى إلَيْهِمْ أَنَّ هَذِهِ الْآثَارَ تَحْدُثُ عَقِيبَ سَيْرِ الْكَوَاكِبِ وَقَعَ فِي نُفُوسِهِمْ أَنَّهَا الْمُؤَثِّرَةُ،
وَثَانِيهَا: أَنَّ أَحْكَامَ النُّجُومِ تَخْمِينٌ مَحْضٌ، وَلَقَدْ كَانَ مُعْجِزَةً لِإِدْرِيسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيمَا يُحْكَى وَقَدْ انْدَرَسَ.
وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، فَإِنَّ مَا قُدِّرَ كَائِنٌ وَالِاحْتِرَازُ مِنْهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ اهـ مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ: وَالرَّمْلِ) هُوَ عِلْمٌ بِضُرُوبِ أَشْكَالٍ مِنْ الْخُطُوطِ وَالنُّقَطِ بِقَوَاعِدَ مَعْلُومَةٍ تَخْرُجُ حُرُوفًا تُجْمَعُ وَيُسْتَخْرَجُ جُمْلَةٌ دَالَّةٌ عَلَى عَوَاقِبِ الْأُمُورِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ حَرَامٌ قَطْعًا وَأَصْلُهُ لِإِدْرِيسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ط أَيْ فَهُوَ شَرِيعَةٌ مَنْسُوخَةٌ. وَفِي فَتَاوَى ابْنِ حَجَرٍ أَنَّ تَعَلُّمَهُ وَتَعْلِيمَهُ حَرَامٌ شَدِيدُ التَّحْرِيمِ لِمَا فِيهِ مِنْ إيهَامِ الْعَوَّامِ أَنَّ فَاعِلَهُ يُشَارِكُ اللَّهَ تَعَالَى فِي غَيْبِهِ.
(قَوْلُهُ: وَعُلُومِ الطَّبَائِعِيِّينَ) الْعِلْمُ الطَّبِيعِيُّ عِلْمٌ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ أَحْوَالِ الْجِسْمِ الْمَحْسُوسِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُعَرَّضٌ لِلتَّغَيُّرِ فِي الْأَحْوَالِ وَالثَّبَاتِ فِيهَا. اهـ. ح. وَفِي فَتَاوَى ابْنِ حَجَرٍ: مَا كَانَ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْفَلَاسِفَةِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَفَاسِدَ كَاعْتِقَادِ قِدَمِ الْعَالَمِ وَنَحْوِهِ وَحُرْمَتِهِ مُشَابَهَةً لِحُرْمَةِ التَّنْجِيمِ مِنْ حَيْثُ إفْضَاءُ كُلٍّ إلَى الْمَفْسَدَةِ. .
(قَوْلُهُ: وَالسِّحْرِ) هُوَ عِلْمٌ يُسْتَفَادُ مِنْهُ حُصُولُ مَلَكَةٍ نَفْسَانِيَّةٍ يُقْتَدَرُ بِهَا عَلَى أَفْعَالٍ غَرِيبَةٍ لِأَسْبَابٍ خَفِيَّةٍ. اهـ. ح. وَفِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ لِبِيرِيٍّ زَادَهْ قَالَ الشُّمُنِّيُّ: تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ حَرَامٌ.
أَقُولُ: مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ وَلَوْ تَعَلَّمَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَفِي شَرْحِ الزَّعْفَرَانِيِّ: السِّحْرُ حَقٌّ عِنْدَنَا وُجُودُهُ وَتَصَوُّرُهُ وَأَثَرُهُ. وَفِي ذَخِيرَةِ النَّاظِرِ تَعَلُّمُهُ فَرْضٌ لِرَدِّ سَاحِرِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَحَرَامٌ لِيُفَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا، وَجَائِزٌ لِيُوَفِّقَ بَيْنَهُمَا. اهـ. ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. قَالَ ط بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ بَعْضِهِمْ عَنْ الْمُحِيطِ: وَفِيهِ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ التُّوَلَةِ بِوَزْنِ عِنَبَةٍ: وَهِيَ مَا يُفْعَلُ لِيُحَبِّبَ الْمَرْأَةَ إلَى زَوْجِهَا. اهـ.
أَقُولُ: بَلْ نَصَّ عَلَى حُرْمَتِهَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ السِّحْرِ. قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ مُجَرَّدَ كِتَابَةِ آيَاتٍ، بَلْ فِيهِ شَيْءٌ زَائِدٌ اهـ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ قُبَيْلَ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ السَّاحِرِ وَالزِّنْدِيقِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فَيَجِبُ قَتْلُ السَّاحِرِ وَلَا يُسْتَتَابُ بِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ لَا بِمُجَرَّدِ عِلْمِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي اعْتِقَادِهِ مَا يُوجِبُ كُفْرَهُ اهـ.