وَمَنْدُوبًا، وَهُوَ التَّبَحُّرُ فِي الْفِقْهِ وَعِلْمِ الْقَلْبِ. وَحَرَامًا، وَهُوَ عِلْمُ الْفَلْسَفَةِ وَالشَّعْبَذَةِ وَالتَّنْجِيمِ
ــ
رد المحتار
وَقِيلَ فَرْضُ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ مُسْقِطٌ لِلْحَرَجِ عَنْ الْأُمَّةِ بِأَسْرِهَا، وَبِتَرْكِهِ يَعْصِي الْمُتَمَكِّنُونَ مِنْهُ كُلُّهُمْ، وَلَا شَكَّ فِي عِظَمِ وَقْعِ مَا هَذِهِ صِفَتُهُ. اهـ. طَوَّاقِيٌّ، وَنَقَلَ ط أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْأَوَّلُ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّبَحُّرُ فِي الْفِقْهِ) أَيْ التَّوَسُّعُ فِيهِ وَالِاطِّلَاعُ عَلَى غَوَامِضِهِ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَآلَاتِهَا.
(قَوْلُهُ: وَعِلْمِ الْقَلْبِ) أَيْ عِلْمِ الْأَخْلَاقِ، وَهُوَ عِلْمٌ يُعْرَفُ بِهِ أَنْوَاعُ الْفَضَائِلِ وَكَيْفِيَّةُ اكْتِسَابِهَا وَأَنْوَاعُ الرَّذَائِلِ وَكَيْفِيَّةُ اجْتِنَابِهَا. اهـ. ح وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْفِقْهِ لَا عَلَى التَّبَحُّرِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ عِلْمَ الْإِخْلَاصِ وَالْعُجْبِ وَالْحَسَدِ وَالرِّيَاءِ فَرْضُ عَيْنٍ، وَمِثْلُهَا غَيْرُهَا مِنْ آفَاتِ النُّفُوسِ: كَالْكِبْرِ وَالشُّحِّ وَالْحِقْدِ وَالْغِشِّ وَالْغَضَبِ وَالْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَالطَّمَعِ وَالْبُخْلِ وَالْبَطَرِ وَالْخُيَلَاءِ وَالْخِيَانَةِ وَالْمُدَاهَنَةِ وَالِاسْتِكْبَارِ عَنْ الْحَقِّ وَالْمَكْرِ وَالْمُخَادَعَةِ وَالْقَسْوَةِ وَطُولِ الْأَمَلِ وَنَحْوِهَا مِمَّا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي رُبُعِ الْمُهْلِكَاتِ مِنْ الْإِحْيَاءِ. قَالَ فِيهِ: وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهَا بَشَرٌ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْهَا مَا يَرَى نَفْسَهُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، وَإِزَالَتُهَا فَرْضُ عَيْنٍ وَلَا يُمْكِنُ إلَّا بِمَعْرِفَةِ حُدُودِهَا وَأَسْبَابِهَا وَعَلَامَاتِهَا وَعِلَاجِهَا، فَإِنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ الشَّرَّ يَقَعُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: الْفَلْسَفَةِ) هُوَ لَفْظٌ يُونَانِيٌّ، وَتَعْرِيبُهُ الْحِكَمُ الْمُمَوَّهَةُ: أَيْ مُزَيَّنَةُ الظَّاهِرِ فَاسِدَةُ الْبَاطِنِ، كَالْقَوْلِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُكَفِّرَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ ط. وَذَكَرَ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهَا لَيْسَتْ عِلْمًا بِرَأْسِهَا بَلْ هِيَ أَرْبَعَةُ أَجْزَاءٍ:
أَحَدُهَا: الْهَنْدَسَةُ وَالْحِسَابُ، وَهُمَا مُبَاحَانِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُمَا إلَّا مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَجَاوَزَهُمَا إلَى عُلُومٍ مَذْمُومَةٍ.
وَالثَّانِي: الْمَنْطِقُ، وَهُوَ بَحْثٌ عَنْ وَجْهِ الدَّلِيلِ وَشُرُوطِهِ وَوَجْهِ الْحَدِّ وَشُرُوطِهِ، وَهُمَا دَاخِلَانِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ.
وَالثَّالِثُ: الْإِلَهِيَّاتُ، وَهُوَ بَحْثٌ عَنْ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ، انْفَرَدُوا فِيهِ بِمَذَاهِبَ بَعْضُهَا كُفْرٌ وَبَعْضُهَا بِدْعَةٌ.
وَالرَّابِعُ: الطَّبِيعِيَّاتُ، وَبَعْضُهَا مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ، وَبَعْضُهَا بَحْثٌ عَنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ وَخَوَاصِّهَا وَكَيْفِيَّةِ اسْتِحَالَتِهَا وَتَغَيُّرِهَا، وَهُوَ شَبِيهٌ بِنَظَرِ الْأَطِبَّاءِ، إلَّا أَنَّ الطَّبِيبَ يَنْظُرُ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْخُصُوصِ مِنْ حَيْثُ يَمْرَضُ وَيَصِحُّ، وَهُمْ يَنْظُرُونَ فِي جَمِيعِ الْأَجْسَامِ مِنْ حَيْثُ تَتَغَيَّرُ وَتَتَحَرَّكُ، وَلَكِنْ لِلطِّبِّ فَضْلٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ. وَأَمَّا عُلُومُهُمْ فِي الطَّبِيعِيَّاتِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالشَّعْبَذَةِ) الصَّوَابُ الشَّعْوَذَةُ، وَهِيَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ خِفَّةٌ فِي الْيَدِ كَالسِّحْرِ تَرَى الشَّيْءَ بِغَيْرِ مَا عَلَيْهِ أَصْلُهُ. اهـ. حَمَوِيٌّ، لَكِنْ فِي الْمِصْبَاحِ شَعْوَذَ الرَّجُلُ شَعْوَذَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ شَعْبَذَ شَعْبَذَةً وَهُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَلَيْسَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَهِيَ لَعِبٌ يَرَى الْإِنْسَانُ مِنْهَا مَا لَيْسَ لَهُ حَقِيقَةٌ كَالسِّحْرِ. اهـ. ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَأَفْتَى الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي أَهْلِ الْحَقِّ فِي الطُّرُقَاتِ الَّذِينَ لَهُمْ أَشْيَاءُ غَرِيبَةٌ كَقَطْعِ رَأْسِ إنْسَانٍ وَإِعَادَتِهِ وَجَعْلِ نَحْوِ دَرَاهِمَ مِنْ التُّرَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ فِي مَعْنَى السَّحَرَةِ إنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْهُمْ، فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَا لِأَحَدٍ أَنْ يَقِفَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الَّذِي يَقْطَعُ يَدَ الرَّجُلِ أَوْ يُدْخِلُ السِّكِّينَ فِي جَوْفِهِ إنْ كَانَ سِحْرًا قُتِلَ وَإِلَّا عُوقِبَ. مَطْلَبٌ فِي التَّنْجِيمِ وَالرَّمْلِ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّنْجِيمِ) هُوَ عِلْمٌ يُعْرَفُ بِهِ الِاسْتِدْلَال بِالتَّشَكُّلَاتِ الْفَلَكِيَّةِ عَلَى الْحَوَادِثِ السُّفْلِيَّةِ. اهـ. ح. وَفِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّ عِلْمَ النُّجُومِ فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ غَيْرُ مَذْمُومٍ، إذْ هُوَ قِسْمَانِ: حِسَابِيٌّ