وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا لِعَالِمٍ صَارَ مَرْجِعًا فِي الْفَتَاوَى (بِخِلَافِ بَاقِي السُّنَنِ) فَلَهُ تَرْكُهَا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى فَتْوَاهُ (وَيُخْشَى الْكُفْرُ عَلَى مُنْكِرِهَا وَتُقْضَى) إذَا فَاتَتْ مَعَهُ، بِخِلَافِ الْبَاقِي.
(وَلَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا مَعَ ظَنِّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَإِذَا هُوَ طَالِعٌ) أَوْ صَلَّى أَرْبَعًا فَوَقَعَ رَكْعَتَانِ بَعْدَ طُلُوعِهِ (لَا تُجْزِيهِ عَنْ رَكْعَتَيْهَا عَلَى الْأَصَحِّ) تَجْنِيسٌ لِأَنَّ السُّنَّةَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ.
(وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ، وَعَلَى ثَمَانٍ لَيْلًا بِتَسْلِيمَةٍ)
ــ
رد المحتار
جَازِمًا بِأَنَّ الْجَوَازَ عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ وَأَنَّ عَدَمَهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ، وَاسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ إلَى مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْبُرْهَانِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِبِنَاءِ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَخْفَى مَا فِي حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ وَلَيْسَ الْإِجْمَاعُ إلَّا عَلَى تَأَكُّدِهَا اهـ لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ التَّرَاوِيحِ، فِي أَنَّهَا لَا تَصِحُّ قَاعِدًا لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِلَا خِلَافٍ، تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ إلَى بَابِ التَّرَاوِيحِ مِنْ الْخَانِيَّةِ.
أَقُولُ: وَاَلَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ هُنَاكَ: لَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ قَاعِدًا، قِيلَ لَا يَجُوزُ بِلَا عُذْرٍ، لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةُ: لَوْ صَلَّى سُنَّةَ الْفَجْرِ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ لَا يَجُوزُ فَكَذَا التَّرَاوِيحُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. وَقِيلَ يَجُوزُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَالتَّرَاوِيحُ دُونَهَا فِي التَّأَكُّدِ، فَلَا يَجُوزُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا. اهـ.
فَأَنْتَ تَرَى أَنَّهُ إنَّمَا صَحَّحَ جَوَازَ التَّرَاوِيحِ قَاعِدًا لَا عَدَمَ جَوَازِ الْفَجْرِ، نَعَمْ مُقْتَضَى كَلَامِهِ تَسْلِيمُ عَدَمِ الْجَوَازِ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ فَلَهُ تَرْكُهَا إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَتْرُكُهَا وَقْتَ اشْتِغَالِهِ بِالْإِفْتَاءِ لِأَجْلِ حَاجَةِ النَّاسِ الْمُجْتَمَعِينَ عَلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ يُصَلِّيهَا إذَا فَرَغَ فِي الْوَقْتِ. وَظَاهِرُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَرْكُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهَا مِنْ الشَّعَائِرِ، فَهِيَ آكَدُ مِنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ، وَلِذَا يَتْرُكُهَا لَوْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ، وَأَفَادَ ط أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي وَطَالِبَ الْعِلْمِ كَذَلِكَ لَا سِيَّمَا الْمُدَرِّسُ.
أَقُولُ: فِي الْمُدَرِّسِ نَظَرٌ، بِخِلَافِ الطَّالِبِ إذَا خَافَ فَوْتَ الدَّرْسِ أَوْ بَعْضِهِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَيُخْشَى الْكُفْرُ عَلَى مُنْكِرِهَا) أَيْ مُنْكِرِ مَشْرُوعِيَّتِهَا إنْ كَانَ إنْكَارُهُ لِشُبْهَةٍ أَوْ تَأْوِيلِ دَلِيلٍ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِكُفْرِهِ لِإِنْكَارِهِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ.
(قَوْلُهُ وَتُقْضَى) أَيْ إلَى قُبَيْلِ الزَّوَالِ، وَقَوْلُهُ مَعَهُ تُنَازِعُهُ قَوْلُهُ تُقْضَى وَفَاتَتْ فَلَا تُقْضَى إلَّا مَعَهُ حَيْثُ فَاتَ وَقْتُهَا؛ أَمَّا إذَا فَاتَتْ وَحْدَهَا فَلَا تُقْضَى، وَلَا تُقْضَى قَبْلَ الطُّلُوعِ وَلَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَوْ تَبَعًا عَلَى الصَّحِيحِ أَفَادَهُ ح وَسَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ الْآتِي.
صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا مَعَ ظَنِّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَإِذَا هُوَ طَالِعٌ (قَوْلُهُ تَجْنِيسٌ) فِيهِ أَنَّهُ فِي التَّجْنِيسِ صَحَّحَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْإِجْزَاءَ مُعَلِّلًا بِأَنَّ السُّنَّةَ تَطَوُّعٌ فَتَتَأَدَّى بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَصَحَّحَ فِي الثَّانِيَةِ عَدَمَهُ مُعَلِّلًا بِأَنَّ السُّنَّةَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمُوَاظَبَتُهُ كَانَتْ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ، نَعَمْ عَكَسَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ فَصَحَّحَ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ فِي الْأُولَى وَالْإِجْزَاءَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّهُ إذَا أَجْزَأَتْ الثَّانِيَةُ يَلْزَمُ إجْزَاءُ الْأُولَى بِالْأَوْلَى، وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَتَرْجِيحُ التَّجْنِيسِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَوْجَهُ.
الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ، وَعَلَى ثَمَانٍ لَيْلًا بِتَسْلِيمَةٍ مَطْلَبٌ فِي لَفْظَةِ ثَمَانٍ
(قَوْلُهُ وَعَلَى ثَمَانٍ) كَيَمَانٍ عَدَدٌ وَلَيْسَ بِنَسَبٍ، أَوْ فِي الْأَصْلِ مَنْسُوبٌ إلَى الثُّمُنِ لِأَنَّهُ الْجُزْءُ الَّذِي صَيَّرَ السَّبْعَةَ ثَمَانِيَةً فَهُوَ ثُمُنُهَا، ثُمَّ فَتَحُوا أَوَّلَهَا لِأَنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ فِي النَّسَبِ وَحَذَفُوا مِنْهَا إحْدَى يَاءَيْ النَّسَبِ وَعَوَّضُوا مِنْهَا الْأَلْفَ كَمَا فَعَلُوا فِي الْمَنْسُوبِ إلَى الْيَمِينِ، فَتَثْبُتُ يَاؤُهُ عِنْدَ الْإِضَافَةِ كَمَا تَثْبُتُ يَاءُ الْقَاضِي، فَتَقُولُ: ثَمَانِي نِسْوَةٍ وَثَمَانِي مِائَةٍ