ومثله قوله: (سَقَى الأَرَضِينَ الغيث سهل وحزنها ... ) يعني: سهلها وحزنها، حذفَ المضاف إليه وهو الهاء مِن (سهل) لكونه معطوفاً عليه مضاف إلى مثله، وهو حزنها.
التقدير: سهلها وحزنها، فحذفَ ما أُضيف إليه (سهل) لدلالة ما أُضيف إليه (حزن) عليه هذا تقدير كلام المصنف. وقد يفعل ذلك بدون شرطٍ مذكور، لكنه على قلّة، وإن لم يعطف مُضاف إلى مثل المحذوف من الأول كقوله السابق: وَمِنْ قَبْلِ نَادَى يعني: ومِن قبل ذلك.
فحذفَ المضاف إليه ولم يكن ثَم معطوف عليه، لكن هذا لا بد من النظر في الأبيات السابقة ليعلم هل ثَم معطوف عليه أم لا؟
فحذفَ ما أُضيف إليه (قبل) وأبقاه على حاله لو كان مضافاً ولم يعطف عليه مضاف إلى مثل المحذوف، والتقدير: (من قبل ذلك)، ومثله قراءة من قرأ شذوذاً ((فَلا خَوْفُ عَلَيْهِمْ)) البقرة:٣٨ أي: (فلا خوف شيء عليهم) حذفَ المضاف إليه وبقي المضاف على حاله، ولذلك لم يُنوّن ((فَلا خَوْفُ عَلَيْهِمْ)) البقرة:٣٨ فلا خوفُ شيءٍ عليهم، كذلك قُرئ ((فَلا خَوْفَ عَلَيْهِمْ)) البقرة:٣٨ هذا يحتمل، يحتمل أنها عاملَهُ عملَ إن فيكونُ مُضافاً منصوباً، فلا خوفَ شيء، مثل: (لا صاحبَ علم ممقوت)، مضاف ومضاف إليه حكمُهُ النصب ظاهراً لفظاً، كذلك (فلا خوفَ شيء عليه)، يحتمل هذا. لكن الشاهد هنا في الرفع ((فَلا خَوْفُ عَلَيْهِمْ)) البقرة:٣٨ أي: فلا خوفُ شيء عليهم.
وهذا الذي ذكرَه المصنف مِن أنّ الحذف مِن الأول وأن الثاني هو المضاف إلى المذكور هو مذهب المبرد وهو المشهور عندَ النحاة، -وهو المشهور عندَ النحاة عملياً-، وأما من جهة أتباع سيبويه فلا.
ومذهبُ سيبويه أن الأصل: (قطعَ الله يدَ من قالها ورجلَ من قالها) فحذفَ ما أُضيف إليه رجل، الثاني، إذن الحذفَ من الثاني لا مِن الأول، على مذهب المبرد الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، ولا إشكال فيه: قطع الله يدَ مَن قالها، حذفناها لوجود (ورجل من قالها)، لا إشكال فيه، واضحٌ بينٌ وليس فيه تعسف ولا تكلف.
عندَ سيبويه والجمهور لا، أن الحذف من الثاني لدلالة الأول عليه، فحينئذٍ (قطعَ الله يد من قالها ورجل)، ثم أُقحمَ قوله: و (رجل) بينَ المضاف وهو (يد) والمضاف إليه الذي هو (من قالها)، هذا تكلّف تعسّف، (قطع الله يد من قالها ورجل) أخذنا (رجل) وضعناها بين (يد ومن قالها)، فصارَ التركيب: قطع الله يد ورجل مَن قالها، إذن (من قالها) مضاف إليه لـ (يد) لا لرجل، ورجل هذا المضاف إليه محذوف، هذا تعسّف تكلف، فقول المبرد أسلم وأقرب.
فعلى هذا يكون الحذفُ من الثاني لا من الأول على مذهب المبرد بالعكس.
إذن قوله: ويحذف الثاني، الذي هو المضاف إليه، ويُنوى ثبوت لفظه؛ لأنه لو نُوِي ثبوت المعنى دون اللفظ حينئذٍ رجعنا للمسألة الأولى: وَاضْمُمْ بِنَاءً غَيْراً إِنْ عَدِمْتَ مَا .. إلى آخره.
لكن مرادُ الناظم هنا أن يبقى على حاله دونَ أن يتغير، ولذلك ذكرنا أن حذفَ المضاف إليه على ثلاثة أحوال: إما أنه يُبنى المضاف .. خرجَ عن الإعراب، وهذا سبق بيانُه وليس مراد الناظم.