وإعمالُ المنون أكثر من إعمال المحلى بـ (أل)، ولهذا بدأ المصنف بذكرِ المضاف، ثم المجرد، ثم المحلى، ومن إعمالِ المنون قوله تعالى: ((أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ)) البلد:١٤ ((يَتِيمًا))، (إطعامه يتيماً) حُذِف الفاعل هنا، قدّره هكذا ابنُ هشام في قطر الندى، هو لا يُقدر لكن من باب الإيضاح ((أَوْ إِطْعَامٌ)) الفاعل محذوف ((يَتِيمًا)) هذا مفعول لقوله: إطعام وهو مصدر.
إذن: إطعامٌ منون مجرد عن (أل) ومجرّد عن الإضافة ونصب ورفع، فدلَّ على أنه يعملُ وجاء في فصيح الكلام.
فيتيماً منصوب بإطعام، وقول الشاعر:
بضرب بالسيوف رؤوس قوم ... أزلنا هامهن عن المقيل
بضرب بالسيوف رؤوس: (رؤوس) هذا مفعول به لقوله بضربٍ وهو مصدر مُنوّن، ورؤوس: هذا مفعول به، ومن إعماله وهو محلى بـ (أل) قوله:
ضَعيفُ النِّكَايَةِ أعْدَاءَهُ
(أعْدَاءَهُ) هذا منصوب بالنكاية، وهو مصدر ودخلت عليه (أل). إذن نُقل سماعاً أنه عملَ وهو محلى بـ (أل).
وذهب بعضُهم كما ذكرناه سابقاً أن العاملَ فيه محذوف، وهذا نسبَه لابي العباس المبرد إلى أن نصبَ المفعول به بعدَ المصدر المحلى بـ (أل) ليس بالمصدر السابق، وإنما هو بمصدر مُنكّر يُقدّر في الكلام، فتقدير الكلام عندهم ضعيف النكاية نكاية أعداءه، ضعيف؛ لأنه يُحوجِنا إلى التقدير، ثم فيه نوعُ تكلف.
وذهبَ أبو سعيد السيرافي إلى أن أعداءه ونحوه منصوب بنزع الخافض، وتقدير الكلام: ضعيف النكاية في أعدائه، وهذا مردود؛ لأن النصب بنزع الخافض سماعي، وعندنا هذه أمر مُطّرد، يعني يأتي في كلام العرب، حينئذٍ نقول: هذا سماعي فلا يُصرف ما نُقل من إعمال المصدر محلى بـ (أل) إلى كون المنصوب به منصوب بنزع الخافض؛ لأنه سماعي.
والذي ذكرَه الشارح وابنُ مالك رحمه الله تعالى أنه يعملُ مُطلقاً هو مذهب سيبويه وجمهور النحاة.
وقوله:
فَإِنَّكَ وَالتَّأْبِينَ عُرْوَةَ بَعْدَمَا ... دَعَاكَ وَأَيْدِينَا إِلَيْهِ شَوَارِعُ
وَالتَّأْبِينَ: أبّن يؤبّنُ تأبينَ مصدر، عروة مفعول به، والتأبين مصدر ودخلت عليه (أل).
لَقَدْ عَلِمَتْ أُوْلَى المُغِيرة أنَّني ... كَرَرْتُ، فَلَمْ أَنْكُلْ عَنِ الضَّرْبِ مِسْمَعَا
مِسْمَعَا: هذا اسم رجل، والضرب هذا مصدر محلىً بـ (أل) فنصبه.
إذن: إِنْ كَانَ فِعْلٌ مَعَ أَنْ أَوْ مَا يَحُلّ مَحَلَّهُ.
إن أُريد بالمصدر الدلالة على الحدوث صحَّ أن يكون مُقدّراً بـ (أن) المصدرية أو (ما) المصدرية.
إن لم يكن كذلك حينئذٍ ظاهرُ كلامِ الناظم هنا أنه لا يعمل.
قالَ بعضُهم: استعمال المصدر في لسان العرب لا يخلو من حالين؛ إما هذا وإما ذاك:
الحالة الأولى: أن يُقصَد به ثبوتُ ما يدلّ عليه من الحدث، يعني أن يُراد بالمصدر الثبوت، والحدثُ الأصل فيه الثبوت أو عدم الثبوت؟ الثاني هو الأصل، ولذلك (قامَ يقومُ قم) الحدث الدال عليه بالفعل بأنواعه الثلاث لا يدلّ على الثبوت، هذا هو الأصل.
ولذلك الجملة الفعلية والاسمية بينهما فارق من هذه الحيثية، الاسمية تدلُّ على الثبوت والاستمرار، بخلاف الجملة الفعلية؛ لأنه حدثٌ والأصل فيه عدم الثبوت.
قد يُراد بالمصدر الدلالة على الثبوت.