إذا كان الأصل الإعراب والبناء فرع في الأسماء، حينئذٍ ما جاء على الأصل وهو معرب لا يسأل عنه، لا يسأل عما جاء على أصله، أليس كذلك، وما خرج عن أصله حينئذٍ يقال: لماذا خرج عنه؟ لا بد من علة، فالمبني من الأسماء، نظر النحاة إليه من جهتين:
منهم من أوقفه على السماع فقال: هكذا نطقت العرب فلا نحتاج أن نتكلف ونتعسف ونقول: هذا بني لكذا وهذا بني لكذا، فالعلة في المبني السماع، وهذا قد قيل به وموجود، أن العلة في المبني السماع، إذاً لا نحتاج لقوله: لشبه من الحروف مدني، بل نقول: الاسم قسمان: معرب ومبني، والمعرب هو الأصل، وكيف نعرفه؟ ما نطقت به العرب معرباً، والمبني هذا فرع، ولماذا حكمنا على الإعراب بأنه أصل مع أننا ننفي التعليل، والمبني أنه فرع مع أننا ننفي التعليل؟ نقول: بالكثرة، وإذا قيل: الأصل الإعراب، يعني: الكثير الغالب الراجح في لسان العرب: هو إعراب المفردات .. الإعراب –الأسماء-، والمبني قليل فصار فرعاً، هل نحتاج إلى تعليل نقول: لماذا خرج المبني عن أصله، والغالب الكثير؟ لا نحتاج، نقول: العرب تكلمت بهذا واللغة قد وضعها الله عز وجل على هذا، فحينئذٍ لا نحتاج إلى تكلف، وهذا أسلم وأريح للبال.
وأما جماهير النحاة فطلبوا علةً لا بد من النظر ولا بد من التعمق، فاستقرؤا كلام العرب فوجدوا ثم علة وهي مشهورة عند المحققين: أن علة بناء الأسماء محصورة في شبه الحرف فحسب، وهي التي عناها ابن مالك بقوله: لِشَبَهٍ، هذا جار ومجرور متعلق بكونه مبني، ومبني لماذا؟ لِشَبَهٍ، اللام للتعليل، أو يقال: لِشَبَهٍ جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، وذلك كائن لِشَبَهٍ، وهذا جائز ولا بأس به، لكن إذا أمكن وصل الكلام فهو أولى، يعني: التقديرات إذا أدت إلى فصل الكلام وجعله جملاً نقول: الأولى عدم ذلك مع جوازه؛ لأن تصيير الكلام جزءاً واحداً أولى من تقطيعه.
إذاً: لشبه متعلق بقوله: مبني.
لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي .. يعني: مقرب له لقوته، فيفهم أن بعض الشبه لا يؤثر، إذا أشبه الاسم الحرف نقول: هذا مبني، لماذا؟ لما ذكرناه بالأمس: أن قاعدة العرب إذا أشبه الشيء الشيء أخذ حكمه، وإذا أشبه الاسم الحرف، فحكم الحرف البناء، فحينئذٍ نسحب هذا الحكم من الحرف إلى الاسم، فنقول: الاسم مبني لماذا؟ لكونه أشبه الحرف، ما وجه الشبه؟ سيأتي بيانه، الآن في تقرير أن العلة محصورة في الشبه الحرفي، ثم هذا الشبه نوعان:
شبه قريب، وشبه بعيد –ضعيف-، الذي يكون علةً للبناء -بناء الأسماء- هو الشبه القوي، ولذلك قال: مدني، قال ابن عقيل:
والثاني المبني وهو ما أشبه الحروف، وهو المعني بقوله: لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي، يعني: قريب، مدني: اسم فاعل فعله أدنى، تقول: أدنيت الشيء من الشيء إذا قربته منه، والياء هنا زائدة؛ لأنه اسم منقوص:
ونَوِّنِ المُنَكَّرَ المَنقُوصَا ... في رفعهِ وجرّهِ خُصُوصَا