حينئذٍ لا يجوز ذكر الياء يجب حذفها للتخلص من التقاء الساكنين، فمدني: الياء هذه للإشباع، لأن أصله مدنٍ كما تقول قاض، إذاً: مدني المراد به مقرب له لقوته، والاحتراز بذلك من الشبه الضعيف، وهو الذي عارضه شيء من خواص الأسماء، لشبه من الحروف مدني، قال ابن عقيل: أي لشبه مقرب من الحروف، فعلة البناء منحصرة عند المصنف -رحمه الله تعالى- في شبه الحرف.
ثم نوع المصنف وجوه الشبه في البيتين الذين بعد هذا البيت، وهذا القول الذي اختاره ابن مالك قريب من مذهب أبي علي الفارسي حيث جعل البناء منحصراً في شبه الحرف أو ما تضمن معناه، وأريد أن أبين أنه ليس قريباً منه بل هو عينه .. هو نفسه، وإنما فصل بين نوع وبين الأنواع الأخرى؛ لأنه قال: في شبه الحرف، ثم هذا الشبه له وجوده، ثم عطف عليه: أو ما تضمن معناه، هذا نوع من أنواع الشبه، فحينئذٍ يكون من عطف الخاص على العام، فقول ابن مالك رحمه الله تعالى: لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ، هو عين مذهب أبي علي الفارسي، وقول أبي علي الفارسي الذي اشتبه على ابن عقيل في شبه الحرف أو ما تضمن معناه، يعني: تضمن معنى الحرف، وهو المراد بقوله:
والمَعْنَوِيِّ في مَتَى وَفِي هُنَا .. هو عينه ليس قريباً منه.
وقد نص سيبويه -رحمه الله- على أن علة البناء كلها ترجع إلى شبه الحرف، وممن ذكره ابن أبي الربيع، إذاً: علة بناء الاسم منحصرة عند المصنف في مشابهة الاسم الحرف شبهاً قوياً يقربه منه، وهذا هو مذهب أبي علي الفارسي ومذهب سيبويه، ولا تلتفت لكلام ابن عقيل هنا -رحمه الله-.
والاحتراز بذلك من الشبه الضعيف، إذاً: الشبه نوعان: إذا أشبه الاسم الحرف هل كل شبه للاسم بالحرف يقتضي بنائه؟ الجواب: لا، هكذا .. هل كل شبه للاسم بالحرف يقتضي بناء الاسم؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأن الشبه نوعان: شبه قريب قوي يدنيه من الحرف، هذا الذي يقتضي بنائه، وهو الذي نص عليه المصنف.
وشبه ضعيف، ما ضابط هذا الشبه الضعيف حتى تنضبط المسائل؟ قالوا: إذا عارضه شيء من خواص الأسماء، يعني: اجتمع فيه أمران: شبه بالحرف، ثم وجد فيه مع وجود الشبه وجد فيه ما هو من خواص الأسماء؛ لأنه إذا وجد فيه ما هو من خواص الأسماء أبعده عن الحرف، ونحن نقول: أشبه الحرف شبهاً قوياً، إذاً: ابتعد عن الاسم بعداً قوياً، وإذا وجد في الاسم الذي أشبه الحرف ما هو من خواص الاسم سحبه، كأنه تنازع في أمران:
شبهه بالحرف .. يريد أن يقربه إلى الحرف فيبنى، وما اعتراه من خواص الأسماء رده إلى محله، فتنازعه أمران فغلب الأصل، وهو الإعراب لوجود ما هو من خواص الأسماء، غلب وجود الشبه، إذاً: ليس كل اسم أشبه الحرف اقتضى بنائه، بل لا بد من التفصيل: إن كان هذا الشبه قوياً بحيث لم يعارض هذا الاسم الذي أشبه الحرف شيء من خواص الأسماء حينئذٍ أخذ الحكم على التفصيل الآتي كالشبه الوضع.