ولا فرق في ذلك بين المجرور وغيره، فلا تقول: ما أحسن بزيد ماراً. ما أحسن، ما قال: أحسن بزيدٍ ماراً لكن قال: ما أحسن، ما أحسن يقتضي منصوباً أو مجروراً بالباء؟ منصوباً، إذن هو يقول: لا تقل، ما قال: قل. قال: لا تقل: ما أحسن بزيدٍ ماراً؛ لأن بزيد هذا معلق بماراً وهو معمول المعمول، إذن لا يتوسط.
تريد: ما أحسن ماراً بزيد. هذا التركيب الصحيح، ما أحسن ماراً بزيد تركيب صحيح؛ لأن الأصل: أحسن ثم ماراً وهو معموله واتصل به، بزيدٍ جار ومجرور متعلق بماراً، لا يصح أن يقال: ما أحسن بزيدٍ ماراً، تفصل بينهما بجار ومجرور متعلق بالمعمول. ولا ما أحسن عندك جالساً، عندك متعلق بجالساً، تقدم عليه، نقول: هذا لا يجوز، تريد ما أحسن جالساً عندك، هذا الصواب، تؤخر عندك. فإن كان الظرف أو المجرور معمولاً لفعل التعجب ففي جواز الفصل في كل منهما بين فعل التعجب ومعموله خلاف بين النحاة (وَالْخُلْفُ فِي ذَاَكَ اسْتَقَرّْ) والمشهور جوازه خلافاً للأخفش والمبرد ومن وافقهما، ونسب الصيمري المنع إلى سيبويه، ومما ورد فيه الفصل في النثر قولهم: ما أحسن بالرجل أن يصدق، بالرجل متعلق بقوله: يصدق، وتقدم عليه. ما أحسن بالرجل أن يصدق، وما أقبح به أن يكذب. هذا لا يجوز فيه.
قال: ومما ورد فيه الفصل في النثر قول عمرو بن معد يكرب:
للهِ دَرُّ بَنِي سُلَيم! مَا أَحْسَنَ فِي الْهَيْجَاءِ لِقَاءَها، فِي الْهَيْجَاءِ متعلق بقوله: أَحْسَنَ، ولِقاءَها هذا هو المفعول به. إذن فصل بينهما الجار والمجرور، وهذا جاز، لماذا؟ لكون الجار والمجرور وهو فِي الْهَيْجَاءِ -الحرب- متعلق بقوله: أَحْسَنَ، وهذا جائز.
وَأكْرَمَ فِي اللَّزْباتِ -جمع لزبة، وهي الشدة والقحط- وَأكْرَمَ فِي اللَّزْباتِ عَطَاءَهَا، في اللزبات متعلق بقوله: أكرم، وعطاءها مفعول أكرم، إذن جاز التوسط بينهما، جاز لكونه متعلقاً به؛ لأن كلاً منهما معمول لأفعَل.
وَأَثْبَتَ فِي المَكْرُمَاتِ بَقَاءَهَا الحكم واحد.
وقول علي وقد مر بعمار فمسح التراب على وجهه: أَعْزِزْ عَلَيَّ - أَبَا اليَقْظَِان - أَنْ أَرَاكَ صَرِيعاً مُجَدَّلاً.
ومما ورد منه في النظم قول بعض الصحابة رضي الله عنهم:
وَقَالَ نَبِيُّ المُسْلِمِينْ تَقَدَّمُوا ... وَأَحْبِبْ إِلَيْنَا أَنْ تَكُونَ المُقَدَّمَا
أَحْبِبْ إلَيْنَا ..
خَلِيْلَيَّ مَا أَحْرَى بِذِي اللُّبِّ أَنْ يُرَى ... صَبُورَاً وَلكِنْ لاَ سَبِيْلَ إلَى الصَّبْرِ
أين الشاهد؟ مَا أَحْرَى أنْ يُرَى بِذِي اللُّبِّ، هذا متعلق بقوله: أَحْرَى.
إذن الخلاصة: أن الأصل .. أنه لا يجوز أن يفصل بين فعل هذا الباب ومعموله، ولا أن يتقدم معموله عليه، وأما الفصل بالظرف والجار والمجرور فالصواب فيه التفصيل: إن كان الجار والمجرور متعلقين بغير فعل الباب فالمنع بلا خلاف.
قال في شرح التسهيل: بلا خلاف، وإن كانا معمولين لفعل الباب ففيه خلاف، والصواب: الجواز.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!