إذاً: مقصوده بهذين البيتين: أنَّ أسماء العدد من اثنين إلى عشرة كما نصَّ النَّاظم عليها يُصاغ منها وزن فاعل كما يُصاغ من الأفعال، كما تقول: ضارب وضاربة تقول: ثانٍ وثانية، فإنْ كان مُذكَّراً اكتفي به، وإنْ كان مؤنَّثاً لحقته تاء التأنيث الفارقة بين المذكَّر والمؤنَّث، حينئذٍ تقول في التأنيث: ثانيةٌ إلى عاشرة، وفي التذكير: ثانٍ إلى عاشرٍ كما تفعل باسم الفاعل، نَحو: ضارب وضاربة، وقائم وقائمة.
وإنَّما نبَّه على هذا مع وضوحه لئلا يُتوهَّم أنَّه يُسلك به سبيل العدد الذي صيغ منه في إثبات التاء مع التذكير وحذفها مع التأنيث، يعني: لماذا نَصَّ عليه؟ قال: قد يتَوهَّم مُتوهم أنَّه يُقال: عندي طالبةٌ ثالث مُخالفة، أو عندي طالبٌ ثالثةٌ يأتي بالمخالفة، مثل الثلاثة، قال: دفعاً لهذا الوَهَم نصَّ عليه النَّاظم، وهذا اعتذار طيِّب.
وَاخْتِمْهُ فِي التَّأْنِيثِ بِالتَّا وَمَتَى ... ذَكَّرْتَ فَاذْكُرْ فَاعِلاً بِغَيْرِ تَا
يعني: متى ما كان المعدود مُذكَّراً فَأَتِ به على زِنة فاعل بدون تاء، و (مَتَى) قلنا: هذا اسم شرط .. ظرف زمان مُتعلِّق بقوله: (ذَكَّرْتَ) الذي هو فعل الشَّرط كما سبق، يكون النَّاصب له ظرف زمان أو مكان مُتعلِّق بفعل الشرط، هذا الصَّحيح.
قال الشَّارح هنا: " يُصاغ من اثنين إلى عشرة اسمٌ موازنٍ لفاعل كما يُصاغ من فَعَلَ نحو: ضارب من ضرب، فيقال: ثانٍ وثالثٌ ورابعٌ إلى عاشر، بلا تاءٍ في التذكير وبتاءٍ في التأنيث" إذاً: هذا النوع الأول: أن يُصاغ منه على وزن فاعلٍ فيبقى مفرداً.
وَإِنْ تُرِدْ بَعْضَ الَّذِيْ مِنْهُ بُنِي ... تُضِفْ إِلَيهِ مِثْلَ بَعْضٍ بَيِّنِ
وَإِنْ تُرِدْ جَعْلَ الأَقَلِّ مِثْلَ مَا ... فَوْقُ فَحُكْمَ جَاعِلٍ لَهُ احْكُمَا
هذا النوع الثاني لاستعمال فاعل إذا اشْتُقَّ من ثلاثة وأربعة على زنة فاعل، إمَّا أن يُستعمل مُفرداً وهو الذي سبق بيانه في البيت السابق، وإمَّا أن يُستعمل غير مُفرد، حينئذٍ له حالان ذكرهما في هذين البيتين:
أشار في الحالة الأولى: إلى أنَّه يُستعمل مع ما اشْتُقَّ منه: ثاني، هذا اشتقَّ من اثنين ((ثَانِيَ اثْنَيْنِ)) التوبة:٤٠، ثالث اشْتُقَّ من ثلاثة تقول: ثالث ثلاثة .. رابع أربعةٍ .. خامس خمسةٍ، هذا استعمالٌ: أنْ يُستعمل مع ما اشْتُقَّ منه.
والاستعمال الثاني: أنْ يُستعمل مع ما قبل ما اشْتُقَّ منه: (ثالث) اشْتُقَّ من ثلاثة، ثالث اثنين، اشْتُقَّ مع ما قبله .. استعمل مع ما قبل الذي اشْتُقَّ منه، تضيفه إلى ما دونه، أشار إلى الأول بقوله:
وَإِنْ تُرِدْ بَعْضَ الَّذِيْ مِنْهُ بُنِي ... تُضِفْ إِلَيْهِ. . . . . . . . . . . . .
بيَّن الحكم مباشرة، (وَإِنْ تُرِدْ) هذا شرطٌ، (تُرِدْ) بماذا؟ بالوصف السَّابق الذي جئت به على وزن (فاعل)، (إِنْ تُرِدْ) به .. بذلك الوصف المذكور، (بَعْضَ) هذا مفعول (تُرِدْ)، (بَعْضَ الَّذِيْ) يعني: بعض العدد، هذا واقع (الَّذِيْ) اسم موصول مضاف إليه، (بَعْضَ) قلنا: مفعولٌ به وهو مضاف، و (الَّذِيْ) مضافٌ إليه، يَصدُق على العدد المضاف إليه اسم الفاعل.