مِنْ نِسائِهِمْ فَتَحْرِيرُ رَقَبةٍ لِما قالُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ إلى نسائهم؛ أي: فَعَلَيْهِمْ تَحْرِيرُ رَقَبةٍ لِما نَطَقُوا به مِنْ ذِكْرِ التحريم، والتقديم والتأخير كثيرٌ في التنزيل {ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ} قال الزَّجّاجُ (١): ذلكم التغليظ في الكَفّارةِ تُوعَظُونَ به؛ أي: إنَّ غِلَظَ الكَفّارةِ وَعْظٌ لَكُمْ حَتَّى تَتْرُكُوا الظِّهارَ {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣)}.
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}؛ أي: يُعادُونَهُما ويُخالِفُونَ أمْرَهُما ويُحارِبُونَهُما، وقيل: يُجانِبُونَهُما؛ أي: يَكُونُونَ في حَدٍّ، واللَّهُ ورَسُولُهُ في حَدٍّ، والأصل: يُحادِدُونَ، فأدغمت الدال في الدال.
وقوله: {كُبِتُوا}؛ أي: أُهْلِكُوا وأُذِلُّوا وأُخْزُوا، يقال: كَبَتَ اللَّهُ فُلَانًا: إذا أذَلَّهُ وأخْزاهُ، والمَرْدُودُ بالذُّلِّ يقال له: مَكْبُوتٌ (٢) {كَمَا كُبِتَ}؛ أي: أُهْلِكَ {الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} من أهل الشِّرك، والكاف في موضع نصب؛ لأنها نعت لمصدر محذوف (٣) {وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} يعني القرآن {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (٥)} من الهَوانِ.
ثم بَيَّنَ وَقْتَ ذلك العذابِ، فقال: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا} يعني بذلك الخَلْقَ كُلَّهُمْ، يبعثهم من قبورهم أحياءً، والعامل في {يَوْمَ}: {عَذَابٌ مُهِينٌ}، و {جَمِيعًا} نصب على الحال.
قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ} قرأه العامة بالياء لأجل الحائل، وقرأ أبو جعفر بالتاء (٤) لتأنيث النَّجْوَى، والأوَّلُ أصَحُّ وأفْصَحُ، قاله
(١) معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ١٣٥.
(٢) قاله الواحدي في الوسيط ٤/ ٢٦٣.
(٣) أي: كَبْتًا مِثْلَ كَبْتِ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ، قاله النحاس في إعراب القرآن ٤/ ٣٧٤.
(٤) وهي أيضًا قراءة أبِي حَيْوةَ وشَيْبةَ والأعرج وعيسى بن عمر، ينظر: مختصر ابن خالويه ص ١٥٤، المحتسب ٢/ ٣١٥، تفسير القرطبي ١٧/ ٢٨٩، البحر المحيط ٨/ ٢٣٣.