مَسْكها ذهبًا، وكاد يخرج إلى أن لا يأتمروا وهكذا رُويَ أنَّهم شدَّدوا على أنفسِهم، فشدَّدَ اللَّهُ عليهم (١).

قالوا: وفيه دليلٌ أيضًا على إمضاءِ الخطاب على العموم، وعلى أنَّ الحكمَ يتعلَّقُ بأقلِّ ما ينطلقُ عليه الاسمُ وعلى وجوبِ العمل بالظَّاهر، وقد كرَّر عليهم قولَه: {فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ} أي: دعوا البحثَ والتَّفتيشَ، لكنَّ الإمامَ أبا منصور -رحمَه اللَّه- قال: استدلَّ قومٌ بها على عمومِ الخطاب وقت السماع؛ لأنَّه أمر بذبحِ بقرةٍ، لم يبيِّن لهم كيفيَّتها وقتَ الخطاب، وروي: "لو عمَدوا إلى أدنى بقرةٍ لأجزأتهم (٢)، لكن شدَّدوا على أنفسِهم، فشدد اللَّهُ عليهم" (٣).

لكنَّ هذا لا يصحُّ؛ لأنَّه دعوى على اللَّه عزَّ وجلَّ حدوثَ شيءٍ في أمرِهِ، وبَدَاءٍ في حُكمِهِ، وذلك كفرٌ لا يقولُه مسلمٌ، فضلًا (٤) أن يقولَه رسولٌ؛ فإنَّه قال: إنَّه يقولُ:

(١) سيأتي تخريجه قريبًا.
(٢) في (أ): "لأجزتهم".
(٣) أخرج ابنُ أبي حاتم (١/ ١٤١) ٧٢٢، وابن مردويه كما في "تفسير ابن كثير" (١/ ١٧١) عن أبي هريرة قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لولا أنَّ بني إسرائيلَ قالوا: {وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} ما أُعطوا أبدًا، ولو أنَّهم اعترضُوا بقرةً من البقر فذبحوها لأجزأَت عنهم، ولكنَّهم شَدَّدوا، فشدَّدَ اللَّهُ عليهم". قال الحافظ ابن كثير: وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة رضي اللَّه عنه. اهـ. وسلف بعضه قريبًا.
وأخرج البزَّارُ كما في "كشف الأستار" (٢١٨٨) عن أبي هريرة عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لو أنَّ بني إسرائيلَ أخَذوا أدنى بقرةٍ لأجزأَهم". قال الهيثمي في "مجمع الزوائد": (٦/ ٣١٤): فيه عباد بن منصور، وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات. اهـ. وقال عنه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (١٣/ ٢٦١): وفي السند عباد بن منصور، وحديثه من قبيل الحسن.
(٤) بعدها في (ر): "عن".