وكان أهل فارس إذ ذاك لموت أردشير مختلفين فى الملك مجتمعين على قتال خالد متساندين، إلا أنهم قد أنزلوا بهمن جاذويه ببهرسير، ومعه الآزادبه، فى أشباه له.
ولما وقعت كتب خالد إلى أهل المدائن تكلم نساء آل كسرى، فولى الفراخزاد بن البندوان إلى أن يجتمع آل كسرى على رجل إن وجدوه، وأقام خالد فى عمله سنة ومنزله الحيرة، يصعد ويصوب قبل خروجه إلى الشام، وأهل فارس يخلعون ويملكون، ليس إلا للدفع عن بهرسير، وكان شيرى بن كسرى قد قتل كل من يناسب إلى كسرى ابن قباذ، ووثب أهل فارس بعده وبعد أردشير ابنه، وقتلوا كل من بين كسرى بن قباذ وبين بهرام جور، فبقوا لا يقدرون على من يملكونه ممن يجتمعون عليه.
وعن الشعبى قال: أقام خالد فيما بين فتح الحيرة إلى خروجه إلى الشام أكثر من سنة، يعالج عمل عياض الذى سمى له، فقال خالد للمسلمين: لولا ما عهد إلى الخليفة ما كان دون فتح فارس شىء، وكان عهد إليه وإلى عياض إذ وجههما أن يستبقا إلى الحيرة فأيهما سبق إليها فهو أمير على صاحبه، وقال: فإذا اجتمعتما بالحيرة وفضضتما مسالح فارس، وأمنتما أن يؤتى المسلمون من خلفهم فليكن أحدكما ردآ للمسلمين ولصاحبه بالحيرة وليقتحم الآخر على عدو الله وعدوكم من أهل فارس دارهم ومستقر عزهم المدائن، حسب ما تقدم من كتاب أبى بكر إليهما بذلك قبل هذا.
فكان خالد لا يستطيع أن يفارق مكانه للاقتحام على فارس ولا لإغاثة عياض وكان بدومة قد شجى وأشجى؟، لأجل ما عهد إليه أبو بكر أن لا يقتحم عليهم، وخلفه نظام لهم. وكان بالعين عسكر لفارس وبالأنبار آخر وبالفراض آخر، ثم إن خالدا لما استقام له ما بين الفلاليج إلى أسفل السواد فرق سواد الحيرة على رجال ممن كان معه، وفعل فى سواد الأبلة مثل ذلك، وأقر أمر المسالح على ثغورهم، واستخلف على الحيرة القعقاع بن عمرو. وخرج خالد فى عمل عياض ليقضى ما بينه وبينه ولإغاثته، فسار حتى نزل بكربلاء، وأقام عليها أياما، وشكا إليه عبد الله بن وثيمة الذباب، فقال له: اصبر فإنى إنما أريد أن أستفرغ المسالح التى أمر بها عياض فتسكنها العرب، فتأمن جنود المسلمين أن يؤتوا من خلفهم، وتجيئنا العرب آمنة وغير متعتعة، وبذلك أمرنا الخليفة، ورأيه يعدل نجدة الأمة.
وقال رجل من أشجع فى مثل ما شكاه ابن وثيمة النضرى من أمر الذباب:
لقد حبست بكربلاء مطيتى
... وبالعين حتى عاد غثّا سمينها