الخلائق بالتفهم معه، ثم أتيناكم بأمر ربنا، نجاهد فى سبيله، وننفذ لأمره، ونستنجز موعوده، وندعوكم إلى الإسلام وأحكامه، فإن أجبتمونا تركناكم ورجعنا، وخلفنا فيكم كتاب الله، عز وجل، وإن أبيتم لم يحل لنا إلا أن نعاطيكم القتال أو تفتدوا بالجزاء، فإن فعلتم وإلا فإن الله، عز وجل، قد أورثنا أرضكم وأبناءكم وأموالكم. فاقبلوا نصيحتنا، فو الله لإسلامكم أحب إلينا من غنائمكم، ولقتالكم بعد أحب إلينا من صلحكم، وأما ما ذكرت من رثاثتنا وقلتنا فإن إرادتنا الطاعة، وقتالنا الصبر وأما ما ضربتم لنا من الأمثال، فإنكم ضربتم للرجال وللأمور الجسام وللجد الهزل، ولكنا سنضرب لكم مثلا، وإن مثلكم مثل رجل غرس أرضا، واختار لها الشجر والحب، وأجرى لها الأنهار، وزينها بالقصور، وأقام فيها فلاحين يسكنون قصورها، ويقومون على جناتها، فخلفه الفلاحون فى القصور بما لا يحب، وفى الجنان بمثل ذلك، فأطال نظرتهم، فلما لم يستحيوا من تلقاء أنفسهم، استعتبهم فكابروه، فدعا إليهم غيرهم، فأخرجهم منها، فإن ذهبوا عنها تخطفهم الناس، وإن أقاموا صاروا خولا لهم يملكونهم ويسومونهم الخسف أبدا، والله لو لم يكن ما نقول لكم حقا، ولم تكن إلا الدنيا، لما كان لنا عما ضربنا به من لذيذ عيشكم، ورأينا من زبرجكم من صبر، ولقارعناكم أو نغلبكم عليه.
فقال رستم: أتعبرون إلينا أو نعبر إليكم؟ فقالوا: بل اعبروا إلينا، فخرجوا من عنده عشيا، فأرسل سعد إلى الناس أن يقفوا مواقفهم، وأرسل إليهم: شأنكم والعبور، فأرادوا القنطرة، فأرسل إليهم: لا ولا كرامة أما شىء قد غلبناكم عليه فلن نرده عليكم، تكلفوا معبرا غير القناطر، فباتوا يسكرون العتيق حتى الصباح بأمتعتهم.
وذكر المدائنى أن رستم وجه الجالينوس ليعبر القنطرة، فوقف بحيال زهرة بن جوية، وكان عليها، وقال: ليخرجن إلىّ الموكل بهذا الموضع، فخرج زهرة على فرس كميت أغر ذنوب، معه رمح معلوب، وسيف رث الجفن، فقال له الفارسى: إنك لم توضع هذا الموضع إلا وأنت ركن من أركان أصحابك، وأرى سيفك رث الجفن، قال: إن يكن رث المنظر فإنه حديد الضربة، وقرب إليه الفارسى بالصلح ولم يصرح، ومناه، وقال:
نحسن جواركم ونرفقكم فى معايشكم. فقال زهرة: إنا لم نأتكم نطلب الدنيا بغير آخرة، إنما أتيناكم ندعوكم إلى ديننا، فإن أبيتموه فدنياكم التى تعرضون علينا لنا إن شاء الله، فقال له الفارسى: فخلوا لنا الطريق فنعبر إليكم فنناجزكم، قال: لا، قال: ولم وأنتم تمنون لقاءنا قال: نكره أن نرد عليكم شيئا قد غلبناكم عليه، فرجع إلى رستم فأخبره، فأعظم ذلك، فانصرف الجالينوس، فجلس رستم يفكر فيما أخبره، وغلبته عيناه فنام