فانتبه ويده فى كتف جارية قاعدة بين يدى فراشه، فقال: ما لك؟ قالت: مالت يدك فرفعتها، فقال: أشفقت أن سقطت من فراش ديباج على بساط ديباج؟ فكيف بها غدا إذا انعفرت فى التراب ووطئتها الخيل؟ قالت: وما يضطرك إلى ذلك؟ وقد أعطوك ما لك فيه نصف ونجاة: إما أن تدخل فى دينهم فتكون مثلهم، وإما أن تفتدى منهم بشىء تعطيهم ويبقى لك أمرك، وإما أن تذهب إلى مأمنك من الأرض؟ فقال: إن فى عنقى حبلا أقاد به إلى مصرعى، لا أقدر على الامتناع.
وبات العاجم ليلتهم يسكرون العتيق بالقصب والتراب والبراذع حتى جعلوه طريقا، واستتم بعد ما ارتفع النهار من الغد.
قالوا: ورأى رستم من الليل أن ملكا نزل من السماء فأخذ قسى أصحابه فختم عليها، ثم صعد بها إلى السماء، فاستيقظ مهموما حزينا، فدعا خاصته وقصها عليهم، وقال: إن الله، عز وجل، ليعظنا، لو أن فارس تركونى أتعظ، أما ترى النصر قد رفع عنا وترى الريح مع عدونا وأنا لا نقوم لهم فى فعل ولا منطق؟.
يوم أرماث
ولما تم السكر عبروا بأثقالهم حتى نزلوا على ضفة العتيق، ولما عبر أهل فارس أخذوا مصافهم، وجلس رستم على سريره، وضربت عليه طيارة، وعبأ فى القلب ثمانية عشر فيلا، عليها الصناديق والرجال، وفى المجنبتين ثمانية وسبعة عليها الصناديق والرجال، وأقام الجالينوس بينه وبين ميمنته والبيزران بينه وبين ميسرته، وبقيت القنطرة بين خيلين من خيول المسلمين والمشركين.
وأخذ المسلمون، أيضا، مصافهم، وكانت التعبئة التى تقدم بها سعد قبل انفصاله عن شراف بإذن عمر، رضى الله عنه، أن جعل على المقدمة زهرة بن الجوية، وعلى الميمنة عبد الله بن المعتم، وكان من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، وأحد التسعة الذين قاموا عليه فتممهم طلحة بن عبيد الله عشرة فى العرافة، وعلى الميسرة شرحبيل بن السمط الكندى، وكان شابا قد قاتل أهل الردة على الردة، ووفى الله عز وجل، فعرف ذلك له، وعلى الساقة عاصم بن عمرو السعدى، وعلى الطلائع سواد بن مالك التميمى، وعلى المجردة سلمان بن ربيعة الباهلى، وعلى الرجال حمال بن مالك الأسدى، وعلى الركبان عبد الله بن ذى السهمين الخثعمى، فلما تصافوا يومئذ جعل سعد زهرة وعاصما بين عبد الله بن المعتم،