Progress Donasi Kebutuhan Server — Your Donation Urgently Needed — هذا الموقع بحاجة ماسة إلى تبرعاتكم
Rp 1.500.000 dari target Rp 10.000.000
ولا تزال حضارة الترشيد العلمانية الإمبريالية هذه تُخضع الإنسان الغربي ذاته لأسوأ أنواع الإمبريالية التي يمكن أن نسميها «الإمبريالية النفسية» ، وهي أن تَحوِّل الذات البشرية نفسها إلى سوق تتسع حدوده بشكل دائم وتحل محل الأسواق الخارجية البرانية التي تم غزوها جميعاً (وهكذا يتحول الجواني إلى براني دائماً) ، ويتم ذلك عن طريق ثورة التطلعات والتوقعات التي لا تنتهي، وعن طريق صناعة الأحلام: من إعلانات (يلعب الجنس دوراً أساسياً فيها) إلى روايات (تصوغ للإنسان أحلامه وتطلعاته) إلى أفلام (تحدد رؤاه وقواعد سلوكه) وهي نشاطات يسيطر عليها ما نسميه «قطاع صناعات اللذة» في المجتمعات الحديثة التي تنظر للإنسان باعتباره مجموعة من الدوافع والحاجات الجسدية المحضة التي يمكن سدها. ومن ثم، فإن بوسع هذه الصناعات أن تَعد الإنسان دائماً بالفردوس الأرضي الذي سيريحه تماماً من عبء التاريخ وسيعود به إلى الحالة الجنينية. بل إن بناء المدن الغربية يُجسِّد هذه الرؤية الإمبريالية الرشيدة من طرقات تهدف إلى تعظيم السرعة لحركة يومية تُبَدد فيها الطاقة الإنسانية والطبيعية ويُلوَث فيها الجو ويدور فيها كل شيء حول السوق والسلع. ورغم أن عِلم الاجتماع الغربي لم يكتشف العلاقة بين العلمانية كنظرية والإمبريالية كتطبيق يأخذ شكلين مختلفين (ترشيد في الداخل الأوربي وغزو في الخارج العالمي) ، فإن ثمة محاولات متعثرة للتعبير عن ذلك. فماركس على سبيل المثال يتحدث عن أن الشعب الذي يستعبد شعباً آخر لا يمكن أن يكون هو نفسه حراً، ويتحدث فيبر عن أن عملية الترشيد ستؤدي إلى القفص الحديدي ويتحدث زيميل عن السجن الحديدي، أما هابرماس فقد ذكر أن ما يحدث في المجتمع الغربي الحديث هو «استعمار عالم الحياة» . والحديث عن غياب العقل النقدي وفشل الاستنارة، أو أن الاستنارة أدَّت إلى الإبادة، هو محاولة للتعبير عن وجود هذه العلاقة بين العلمانية والإمبريالية دون