وأما إلا في قولك: قاموا إلا زيدا، فإنها وإن كانت قد أوصلت قام إلى زيد، حتى انتصب بها، فإنها لم تجر من قبل أنها لم تخلص للأسماء دون الأفعال والحروف، ألا تراك تقول: ما جاءني زيد قط إلا يقرأ، ولا مررت بمحمد قط إلا يصلي، ولا نظرت إلى بكر إلا في المسجد، ولا رأيت أخاك إلا على الفرس، فلما لم يخلصها العرب للأسماء، بل باشرت بها الأفعال والحروف، كما باشرت بها الأسماء، لم يجز لها أن تعمل جرا ولا غيره، وذلك لأن الحروف التي تباشر الأسماء والأفعال جميعا، لا يجوز أن تكون عاملة، وذلك نحو: هل زيد أخوك؟ وهل قام زيد؟ وما زيد أخوك، وما قام زيد، في لغة بني تميم1، ولا يكون العامل في أحد القبيلين إلا مختصا بما يعمل فيه، بل إذا وجدنا حروفا تختص بأحد القبيلين2، ثم لا تعمل فيما اختصت به شيئا، وذلك مثل لام التعريف في اختصاصها بالأسماء، وقد وسوف في اختصاصهما بالأفعال، فما يشيع فيهما ولا يختص بأحدهما، أحرى3 ألا يكون له عمل في شيء منهما.
فلذلك لم يجر "إلا" في قولك: قام القوم إلا محمد، وإن كانت قد أوصلت الفعل قبلها إلى الاسم بعدها4.
على أن أبا العباس قد ذهب في انتصاب ما بعد إلا في الاستثناء، إلى أنه بناصب يدل عليه معقود الكلام، فكأنه عنده إذا قلت: قاموا إلا بكرا تقديره: أستثني بكرا، أو لا أعني بكرا، فدلت إلا على "أستثني"، "لا أعني".