وهذا وإن كان مذهبا مدخولا عندنا، وهو بضد الصواب الذي هو مذهب سيبويه، فقد قال به رجل يعد جبلا في العلم1، وإليه أفضت مقالات أصحابنا، وهو الذي نقلها وقررها، وأجرى الفروع والعلل والمقاييس عليها، وعلى أن الكوفيين أيضا قد خالفوا سيبويه وأصحابه2، وأبا العباس ومن رأى رأيه، في انتصاب المستثنى، فهذا كله يوجدك العلة التي لها فارقت "إلا" حروف الجر.
واعلم أن الفعل إذا أوصله حرف الجر إلى الاسم الذي بعده، وجره الحرف، فإن الجار والمجرور جميعا في موضع نصب بالفعل الذي قبلهما، وذلك قولك: مررت بزيد، فزيد مجرور، وبزيد جميعا في موضع نصب، والدلالة على صحة هذه الدعوى3 مطردة من وجهين: أحدهما أن عبرة هذا الفعل الذي يصل بحرف الجر قد تجدها فيما يصل بنفسه.
ألا ترى أن قولك: مررت بزيد، في معنى جزت زيادا، وكذلك نظرت إلى عمرو في معنى: أبصرت عمرا، وانصرفت عن محمد: أي جاوزت محمدا، فهذا من طريق المعنى، وأما من طريق اللفظ، فإن العرب قد نصبت ما عطفته على الجار والمجرور جميعا، منصوبا، لأنهما جميعا منصوبا الموضع، وذلك قولهم: مررت بزيد وعمرا، ونظرت إلى محمد وخالدا.